القهوة العربية في الشعر الشعبي
من العادات العربية الأصيلة التي تغنى بها الشعراء في قصائدهم وآثروا على وصفها والفخر بها (عادة القهوة المرّة) من حيث كيفية صناعتها وحضورها الدائم في الجلسات ، وتقديمها للضيف كدليل على الترحاب والمودة والاعتزاز بعادات العرب الأماجد ، وتأثيرها على الشارب وعلى ما تعنيه من معانٍ أخرى .
أولاً ـ قال المرحوم المجاهد علي عبيد في ديوانه (ربابة الثورة) يصف القهوة :
قُمْ سوّي فنجاناً دعِ البال يرتــاح
فنجان بُن يطـرد النوم ونعـــاسْ
قُمْ سوّي فنجاناً دعِ البال يرتــاح
فنجان بُن يطـرد النوم ونعـــاسْ
ياما حلا والنجرْ لو صار ضبّــاح
صوتـه يلعلع عدّه طبول واجـراسْ
ما يلزمك عزّام للناسوصيــاح
ياتيـك اخوان الصحاري ومتـراسْ
وياما حلا الفنجان مع كل مصبـاح
فنجان مع هال الخضـر يدوش الراسْ
بأنفك كما الجوري شذاها إليافاح
تصبغ على الفنجان تجمد على الكاسْ
من يـد نمرٍ يرعب الخيل لو صاح
ليثٍ غضنفر للمناعيـر دهّـــاسْ
نلاحظ أن الشاعر يصف : تأثيـر القهـوة على شاربها(.. البال يرتاح..يطرد النوم ونعاس .. ) وصوت مهباج القهوة في النجر ( وهو جرن القهوة ) .. ضبّاح .. يلعلع عدّه طبول واجراس .. ، وصوته يعتبر دعوة للناس (.. عزّام ..) لشرب القهوة . وريحة القهوة (. كما الجوري شذاها اليا فاح ..) ، ولزوجتها (.. تصبغ على الفنجان تجمد على الكاس ..) ، ثم يصف الشخص الذي يصب القهوة كما ورد في البيت الأخير (نمر يرعب الخيل ..).
ثانياً ـ وتسعفني الذاكرة بأبيات للمرحوم المجاهد سليم قاسم الدبيسي من قرية (عرمان)وقد نُشرت في ديوانه يصف فيها القهوة ، حيث قال هذه الأبيات عام 1927 ، عندما كان مع رفاقه الثوار في السعودية ـ وادي السرحان :
جيت البيوت وجبت بايدي قصاميـل
وشبيت نـاري مثل نار الحرابــا
دنّيت صنجة و جبت بُناً بلا كيــل
من مزودي مذخور عندي زهابـا
و أدركتها بمحماس من صنعة جبيـل
قلبتهــا لمّـا تلاون جنـابــا
وقلطت من فوق الرويكب معاميـل
و غليت دله من صميلي مشرابـا
ودقيتها بنجرٍ ســواة الرجاجيـل
بنجر صوتـه للنشـاما هلابــا
و عدّيت لها ستين حبة جرس هيـل
فاحت على الديوان ريحه عذابــا
ياما حلا شُرب المبهّر مـع الليــل
سكب على الفنجان دمعه سكابـا
و لشفها الشفاف تشفي المغاليـل
وتشـفي قليب الباغيــاً لاحبابـا
نلاحظ أن الشاعر يصف : كيف يحضر القهوة ؟؟ وما هي أدواتها ؟؟ وموادها ؟؟ وكيف يحمسها على النار : ( قلبتها لما تلاون جنابا ) ، وكيف يغليها : ( وغليت دله من صميلي مشرابا ) ، وصوت مهباج القهوة في النجر ( وهو جرن القهوة ) ودعوة للنشاما وترحيب بهم لشرب القهوة (.. بنجر صوته للنشاما هلا با ..) ، وتأثير القهوة على المكان فاحت على الديوان ريحه عذابا ..) وتأثيـر القهـوة على شاربها (تشفي المغاليل.. وتشفي القلب المشتاق للأحباب).
ثالثاً ـ وهناك قصيدة للمرحوم المجاهد هلال عزالدين من قرية (الثعلة)وقد نُشرت في ديوانه يصف فيها القهوة ( والقصيدة تعتبر من القصائد المتكاملة
في غرضها وشكلها الفني ) :
قُمْ دنّي من بنت العدن خمسة الواق
واحمـس على جمرٍ من اللهب أوقه
عالـدوم بالك داري النّي و حراق
حثلـه جثم سَـدّ المصافي حروقه
لنّك طليق اليـد بالحمـس منعاق
كفــــــــــاك ربـك دبّـة الدهر عوقهْ
خالط صفـاره نادي اللون بعراق
كنْ شاق حُجر العين ينعش عروقــهْ
صلّهْ بشـامي أصفر الرنق برّاق
ولّا شــعاع ابـريز لمعـــة بروقـــــــــهْ
قامت تعاجر حُمرة الورد بشعاق
طافـح بوقـع الموق يزهي شعوقهْ
زلّـهْ بصافي كامل الوصف بعلاق
تشـــــدا نجيــــع كبـاد مزّع علوقهْ
إن فاح عطر الهيل بشـفاك مطّاق
شــــــــهد الحـلا كنّك تجاذب مطوقهْ
صبّهْ على اليمنى لناصيك برواق
قـلـــــب الغثيث بساع يضحي بروقهْ
بفنجان صوغه صافي اللون بشراق
كنّــــــــه بحـوق بـدور بــــادٍ شـروقهْ
غروٍ على جوف الفناجين منحاق
يعســـــر على الصبّاب باليد حوقهْ
عدّهْ تصارع سكرة الكيف برماق
بـادٍ على وجـــــــــه النشامى رموقهْ
وقد اعتبرت هذه القصيدة متكاملة في شكلها وغرضها الشعري في نظر النقاد والمهتمين لأن الشاعر وصف فيها كافة المراحل التي تمر فيها صناعة القهوة المرة (مشروب الغانمين) ، ومدى تأثيرها على الشارب والمكان الذي تقدم فيه وأدواتها وحالتها وكيفية صبها ووصف فنجانها ....
( منقولة)