تُعتبر أمراض الدم الوراثية من الأمراض الشائعة والمستوطنة في بلادنا وفي البلاد العربية عامة، وعُرفت
منذ القدم. وقد ساعد على انتشار هذا المرض عادات وتقاليد المجتمع، وتحديداً زواج الأقارب.
ومن أبرز هذه الأمراض اضطرابات صنع الهيموغلوبين (خضاب الدم) ما ينتج عنه أمراض فقر الدم المنجلي،
وأنيميا البحر الأبيض المتوسط (الثلاسيميا) التي تؤدي إلى تكسر الدم فاصفرار الجسم وتضخم الكبد
والطحال، وبالتالي الحاجة إلى نقل الدم المتكرّر.
وسمّي فقر الدم المنحلي بهذا الإسم لأن كريات الدم الحمراء تأخذ شكل المنجل في هذا المرض. ونظراً
لشكلها وصلابتها، فإن هذه الكريات تؤدي إلى انسداد الشعيرات الدموية مسببة آلاماً مبرحة في مناطق
الجسم المصابة، كالعظام والبطن والظهر، ويصحب المرض اصفرار شديد نتيجة لتكسّر الدم وتضخّم الطحال،
وضعف في مقاومة بعض أنواع الالتهابات.
وتشتدّ حدة الأزمات عند تعرّض المريض لبعض الظروف الخاصة، مثل ارتفاع درجة حرارة الجسم أو حرارة الجو،
ما يزيد في تمنجل الخلايا. وفي بعض الأحيان تحدث أزمات خطيرة قد تودي بحياة المريض؛ كانسداد شرايين
الدماغ أو الأزمة الصدرية أو تضخّم الطحال الشديد أو التهاب الدم الخطير.
وتظهر أعراض فقر الدم المنجلي منذ الشهور الأولى لولادة الطفل المصاب، وتتمثّل في شحوب واصفرار وآلام
وتورّم في أصابع اليدين. وتستمر نوبات الألم طوال حياة مريض الأنيميا المنجلية ما يستدعي العلاج.
ومع تكرار الأزمات قد تحدث مضاعفات خطيرة مثل الشلل الكامل أو الجزئي نتيجةً للجلطة الدماغية، كسر
عظم الفخذ، أمراض الرئة والقلب المزمنة، التهابات العظام المزمنة، واضطرابات وظائف الكلى وغيرها.
ونظراً للمخاطر المترتبة على الإصابة بهذا المرض، فقد يحتاج المريض إلى الاعتماد على استبدال الدم أو
نقل الدم بشكل منتظم لتخفيف حدة المعاناة ما يؤدي إلى تراكم الحديد داخل الجسم من الدم المنقول،
علاوة على احتمال انتقال الأمراض المعدية إلى المريض.
العامل الوراثي:
ينشأ مرض الأنيميا المنجلية نتيجة لزواج طرفين يحملان الصفة الوراثية (صفة متنحية). وعلى الرغم من
عدم ظهور المرض لدى الأبوين، فإن نسبة احتمال إصابة المولود بالمرض تصل 25% في كل عملية حمل، بينما
تصل نسبة أن يكون المولود حاملاً للمرض 50% .
استخدام الخلايا الجذعية (نخاع العظم) في علاج الأنيميا المنجلية:
تُعتبر زراعة الخلايا الجذعية لعلاج المرضى الذين حدثت لهم مضاعفات خطيرة مثل الجلطة الدماغية أو
تطلبت حالتهم نقل الدم المتكرر، تُعتبر العلاج الشافي شريطة توفر المتبرع المناسب والمطابق. ونسبة
نجاح هذا العلاج عالية جداً متى كان المريض بحالة صحية جيدة، لكن تكمن المشكلة في قلة وجود المتبرع
المناسب الذي يكون، عادة أحد أشقاء المريض. ويكون العلاج بهذه الوسيلة بالتخلص من نخاع العظم المصاب
عن طريق إعطاء المريض عقاقير كيماوية ومن ثمّ نقل النخاع السليم المأخوذ من المتبرع إلى المريض.
ونظراً لازدياد الحاجة إلى إجراء عمليات زراعة الخلايا الجذعية ولصعوبة الحصول على متبرع مطابق للكثير
من المرضى بشكل عام، فإنه أصبح من الضروري إيجاد سجل وطني للمتطوعين الذين يرغبون في التبرع
للمرضى.
ويتمّ ذلك بإجراء تحليل لدم المتطوع لمعرفة فصيلة الأنسجة ثم تسجيل البيانات في السجل، وفي حال وجود
مريض تتطابق أنسجته مع أنسجة المتطوع يتم استدعاء المتطوع لأخذ الخلايا الجذعية منه عن طريق الوريد
أو من النخاع.
الوقاية من أمراض الدم الوراثية
الوسيلة المثلي لمنع حدوث هذه الأمراض هي الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع، والوعي بمدى خطورة هذه
الأمراض على أجيال المستقبل والحرص على إنجاب ذرية معافاة من الأمراض الوراثية، وبالتالي فإن
المسؤولية هنا تقع على عاتق أفراد المجتمع المقبلين على الزواج، وذلك بالخضوع للفحص اللازم قبل
الزواج والتقيّد بالنتيجة؛ ذلك أن الكثير ممن كانت نتائج الفحص لديهم إيجابية لم يمتثلوا للنصح
العلمي وأقدموا على الزواج مما يعني، لا سمح الله، معايشتهم وأبناءهم مأساة هذه الأمراض. وذلك على الرغم
من أن الجهات المختصة في عدد من الدول أنشأت العديد من مراكز فحص ما قبل الزواج كأمر إجباري لتفادي
انتشار هذه الأمراض، ولكن كما سبق وأن ذكرت فإن معظم الذين خضعوا للفحص أقدموا على الزواج مع علمهم
التام بالعواقب.
وقد اقترح الكثير من المختصين إجراء هذا الفحص في مرحلة مبكرة – في المرحلة المتوسطة، على سبيل
المثال - وذلك لتفادى الضغوط الاجتماعية في سن الزواج.
التشخيص الجنيني (خارج الرحم):
بالنسبة للأبوين اللذين لديهما طفل مصاب بالمرض، يمكن منع حدوث هذا المرض في المواليد الجدد وذلك
بإكمال الإخصاب عن طريق التلقيح خارج الرحم مخبرياً، ومن ثم اختيار النطفة الطبيعية الخالية من المرض
وإعادة وضعها في رحم الأم لاستكمال الحمل. وتتطلب هذه العملية تقنية عالية تستغرق الكثير من الوقت
لكنها ممكنة ويتم العمل بها في العديد من المستشفيات داخل المملكة.
مراكز أمراض الدم الوراثية:
نظراً لحجم مشكلة الأمراض الوراثية، كمشكلة صحية قائمة ومستوطنة، فإنه من الطبيعي إنشاء مراكز متخصصة
تعنى بهذه الشريحة الكبيرة من المرضى بشكل دوري. وقد أثبتت التجارب جدوى مثل هذه المراكز للارتقاء
بالمستوى الصحي لهذه الأعداد الضخمة من المرضى وتيسير سبل الحياة أمامهم بحيث ينخرطون في أعمالهم
بصورة طبيعية ويصبحون أفراداً فاعلين في المجتمع وتقليص حاجتهم للرعاية الصحية والطبية المكثفة.
وتتنوع المهام المنوطة بمثل هذه المراكز ما بين الجوانب الصحية والتوعوية والوقائية والتثقيفية.. الخ.