كانت الدموع تغرق عيني و أنا أحزم حقائبي كمن يترك عشيقة تركته هائما في قصة هيامها . تركت هؤلاء الذين عشت معهم أجمل لحظات حياتي و اتجهت صوب مجتمع لا أعرف عنه إلا ما قرأته في جريدة أو وصل إلى أذني من نشرة أخبار, لكن العزاء كان في مستقبل أكثر إشراقا من الواقع الذي كنت أعاني في كل لحظة من لحظاته.
كانت فرحتي كبيرة عندما وجدت في تلك المدينة التي قصدتها عددا كبيرا من أبناء بلدي , و هذا ما هون علي لحظات الفراق التي كانت لا تزال مزروعة في كل زاوية من زوايا عقلي المنهك .
وجدت فيهم ما كان يذكرني بكلام أمي حين كانت تقول : يصبح الأعداء كالأخوة في الغربة إذا كان ما يجمعهم معاناة الشوق لوطن واحد .
وجدت فيهم أصدقاء و أحبة , و كان القاسم المشترك الذي يجمعنا في لقاءاتنا هو شيء واحد اتفق عليه الكل :
متى يأتي اليوم الذي نعود فيه إلى وطننا الحبيب ؟
كان اسم الوطن يتردد في كل أحاديثنا و إذا مرت جملة دون ذكر اسمه كان لأن بعضهم يقص علينا شيئا من ذكرياته في حارة أو قرية أو مدينة من مدنه.
مضت الأيام و الشوق يزيد من لهيبه في قلوبنا لكن حلم العودة لم يعد يؤرقنا و اختفت من أحاديثنا كلمات كنا نتغنى بها في وصف أيام سنعود فيها إلى حيث يجب أن نكون.
و صرنا نغوص في بحور الشوق التي جعلتنا كمن يتلذذ في قصة حبه لحبيبة رسمها في خيال لا وجود له. تلك الحبيبة التي صار الوصول إليها شيئا من الماضي و ذكرياته .
لكن ما الذي جعلنا ننسى , أو نتناسى ذلك اليوم ؟
ما الذي غيرنا ؟
ما الذي قتل ذلك الشيء فينا ؟
صرنا نبرر لأنفسنا، فمنا من علل ذلك بالمال الذي ملأ جيوبنا و جعلنا ننسى حرارة الفقر الذي كان يدفئنا في تلك البيوت الصغيرة .
و علل أحدهم ذلك بحياة الراحة و الكسل الذي تعودنا عليه، فما نقدمه من جهد لا يعادل شيئا من ذاك الذي كنا نقوم به في وطننا , لكن المردود زاد أضعافا مضاعفة .
و علل احدهم جمود عواطفنا بالإمكانات التي جعلتنا نطور من خبراتنا و نحن لم نكن نحلم بجزء يسير مما نحن فيه من تقدير لجهودنا .
و لم يخف البعض شعورهم بالأمان تجاه مستقبل مجهول لم نعد نفكر به خوفا على أحلامنا الخاصة , بل من أجل أبنائنا و بناتنا .
فقطار العمر فات و لم يبق من العمر شيئا كالذي مضى .
كنا متفقين جميعا على نقطة واحدة : لم نهجر أوطاننا إلا لنعود إليها .
لكن ما الذي غير من أحوالنا ؟
ما الذي أنسانا تلك الأزقة التي كانت تجمعنا صغارا و نحن نعدو إلى بيت جدي و نأكل خبز التنور الذي لا زالت رائحته لا تفارق أنفي ؟
كنت أحلم بالعودة لأجلس يوما في ظل تلك الشجرة مع أصدقائي حين كنا صغارا ....لكنني لم أعد .
كان هناك من يحلم بالعودة ليبدأ مشروعا يوظف فيه كل أقاربه و ينقذهم من تلك البطالة التي انتشرت في بلدي كانتشار النار في الهشيم ....لكنه لم يعد .
كان حلم أحدهم بناء مشفى يداوي فيه الفقراء دون أجر لأنه عاش تلك الحياة التي يعيشونها و الغلاء يحيط بهم من كل صوب ...لكنه لم يعد .
أما تلك المعلمة فكان حلمها العودة إلى مدرستها حيث كانت تدرس في سنوات شبابها وتعطي كل ما لديها دون أن تفكر بدروس خصوصية صارت اليوم الوسيلة الوحيدة لملء الجيوب بعد الأزمة التي لا يزال الضمير يمر بها حتى اليوم ....لكنها لم تعد.
و منهم من فتح الله عليه أبواب رزقه فكبرت أحلامه ليبني للشباب مساكنا عجزت كبرى المؤسسات عن إيجاد حل للبدء ببنائها و توزيعها عليهم دون أن تتدخل أياد ضعاف النفوس لتصل إلى من لا يستحقها ....لكنه لم يعد .
أما صديقنا الذي كان يعمل سائقا قبل انضمامه إلينا فقد كان حلمه الأول أن يملك شركة نقل صغير تنقل الناس بأسعار مخفضة لفئات لم تعد قادرة على التنقل سيرا على الأقدام لما أثقل كاهلها من ديون بعد أزمة المازوت و ما سببت من غلاء في الأسعار.....لكنه لم يعد أيضا .
أحلام كبيرة وضعت في درج مكتب مهجور نسي أصحابه أين وضعوا المفتاح و لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث يوما ليتفحصوا ما يحوي ذلك الدرج من أشياء قد تشعل في رأسهم شيئا من الحنين لما مضى .
جميلة بلادي و ليس هناك أنقى من تلك النسمة التي تلفح وجوهنا و نحن نتخطى الحدود , فتملؤنا رغبة للترجل و تقبيل ترابه الغالي .
لن نجد قاسيون في مكان آخر , و لن نستنشق هواء حمص في دولة أخرى و لن نغسل أجسادنا بمياه كتلك التي سبحنا فيها على شواطئ طرطوس و اللاذقية.
لن ننسى الفرات بمياهه الهادرة في دير الزور و الرقة كأنه ينادي دجلة في عين ديوار و يرتد صداها في القامشلي شوقا لعناق الأحبة . لن ننسى أشجار الزيتون في عفرين و إدلب و هي توزع رائحتها الزكية حول قلعة حلب .و لن ننسى تلك النواعير التي تنادي بصرى و السويداء.
هل تعلمون لماذا لم و لن ننسى ؟
لأن من عشق سوريا صعب أن يقتلع حبها من أعماقه .
لكن السؤال الذي يؤرقني و لم أجد له جوابا هو : ما دام هذا العشق مكتنزا في صدورنا فلماذا لا نعود؟
لماذا البقاء في تلك البلاد الغريبة ؟
لماذا لا نعود أدراجنا إلى حيث يلتم شمل الأحبة و الخلان .....؟ ....لا أدري.....
ساعدوني في إيجاد جواب ...ساعدوني
كانت فرحتي كبيرة عندما وجدت في تلك المدينة التي قصدتها عددا كبيرا من أبناء بلدي , و هذا ما هون علي لحظات الفراق التي كانت لا تزال مزروعة في كل زاوية من زوايا عقلي المنهك .
وجدت فيهم ما كان يذكرني بكلام أمي حين كانت تقول : يصبح الأعداء كالأخوة في الغربة إذا كان ما يجمعهم معاناة الشوق لوطن واحد .
وجدت فيهم أصدقاء و أحبة , و كان القاسم المشترك الذي يجمعنا في لقاءاتنا هو شيء واحد اتفق عليه الكل :
متى يأتي اليوم الذي نعود فيه إلى وطننا الحبيب ؟
كان اسم الوطن يتردد في كل أحاديثنا و إذا مرت جملة دون ذكر اسمه كان لأن بعضهم يقص علينا شيئا من ذكرياته في حارة أو قرية أو مدينة من مدنه.
مضت الأيام و الشوق يزيد من لهيبه في قلوبنا لكن حلم العودة لم يعد يؤرقنا و اختفت من أحاديثنا كلمات كنا نتغنى بها في وصف أيام سنعود فيها إلى حيث يجب أن نكون.
و صرنا نغوص في بحور الشوق التي جعلتنا كمن يتلذذ في قصة حبه لحبيبة رسمها في خيال لا وجود له. تلك الحبيبة التي صار الوصول إليها شيئا من الماضي و ذكرياته .
لكن ما الذي جعلنا ننسى , أو نتناسى ذلك اليوم ؟
ما الذي غيرنا ؟
ما الذي قتل ذلك الشيء فينا ؟
صرنا نبرر لأنفسنا، فمنا من علل ذلك بالمال الذي ملأ جيوبنا و جعلنا ننسى حرارة الفقر الذي كان يدفئنا في تلك البيوت الصغيرة .
و علل أحدهم ذلك بحياة الراحة و الكسل الذي تعودنا عليه، فما نقدمه من جهد لا يعادل شيئا من ذاك الذي كنا نقوم به في وطننا , لكن المردود زاد أضعافا مضاعفة .
و علل احدهم جمود عواطفنا بالإمكانات التي جعلتنا نطور من خبراتنا و نحن لم نكن نحلم بجزء يسير مما نحن فيه من تقدير لجهودنا .
و لم يخف البعض شعورهم بالأمان تجاه مستقبل مجهول لم نعد نفكر به خوفا على أحلامنا الخاصة , بل من أجل أبنائنا و بناتنا .
فقطار العمر فات و لم يبق من العمر شيئا كالذي مضى .
كنا متفقين جميعا على نقطة واحدة : لم نهجر أوطاننا إلا لنعود إليها .
لكن ما الذي غير من أحوالنا ؟
ما الذي أنسانا تلك الأزقة التي كانت تجمعنا صغارا و نحن نعدو إلى بيت جدي و نأكل خبز التنور الذي لا زالت رائحته لا تفارق أنفي ؟
كنت أحلم بالعودة لأجلس يوما في ظل تلك الشجرة مع أصدقائي حين كنا صغارا ....لكنني لم أعد .
كان هناك من يحلم بالعودة ليبدأ مشروعا يوظف فيه كل أقاربه و ينقذهم من تلك البطالة التي انتشرت في بلدي كانتشار النار في الهشيم ....لكنه لم يعد .
كان حلم أحدهم بناء مشفى يداوي فيه الفقراء دون أجر لأنه عاش تلك الحياة التي يعيشونها و الغلاء يحيط بهم من كل صوب ...لكنه لم يعد .
أما تلك المعلمة فكان حلمها العودة إلى مدرستها حيث كانت تدرس في سنوات شبابها وتعطي كل ما لديها دون أن تفكر بدروس خصوصية صارت اليوم الوسيلة الوحيدة لملء الجيوب بعد الأزمة التي لا يزال الضمير يمر بها حتى اليوم ....لكنها لم تعد.
و منهم من فتح الله عليه أبواب رزقه فكبرت أحلامه ليبني للشباب مساكنا عجزت كبرى المؤسسات عن إيجاد حل للبدء ببنائها و توزيعها عليهم دون أن تتدخل أياد ضعاف النفوس لتصل إلى من لا يستحقها ....لكنه لم يعد .
أما صديقنا الذي كان يعمل سائقا قبل انضمامه إلينا فقد كان حلمه الأول أن يملك شركة نقل صغير تنقل الناس بأسعار مخفضة لفئات لم تعد قادرة على التنقل سيرا على الأقدام لما أثقل كاهلها من ديون بعد أزمة المازوت و ما سببت من غلاء في الأسعار.....لكنه لم يعد أيضا .
أحلام كبيرة وضعت في درج مكتب مهجور نسي أصحابه أين وضعوا المفتاح و لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث يوما ليتفحصوا ما يحوي ذلك الدرج من أشياء قد تشعل في رأسهم شيئا من الحنين لما مضى .
جميلة بلادي و ليس هناك أنقى من تلك النسمة التي تلفح وجوهنا و نحن نتخطى الحدود , فتملؤنا رغبة للترجل و تقبيل ترابه الغالي .
لن نجد قاسيون في مكان آخر , و لن نستنشق هواء حمص في دولة أخرى و لن نغسل أجسادنا بمياه كتلك التي سبحنا فيها على شواطئ طرطوس و اللاذقية.
لن ننسى الفرات بمياهه الهادرة في دير الزور و الرقة كأنه ينادي دجلة في عين ديوار و يرتد صداها في القامشلي شوقا لعناق الأحبة . لن ننسى أشجار الزيتون في عفرين و إدلب و هي توزع رائحتها الزكية حول قلعة حلب .و لن ننسى تلك النواعير التي تنادي بصرى و السويداء.
هل تعلمون لماذا لم و لن ننسى ؟
لأن من عشق سوريا صعب أن يقتلع حبها من أعماقه .
لكن السؤال الذي يؤرقني و لم أجد له جوابا هو : ما دام هذا العشق مكتنزا في صدورنا فلماذا لا نعود؟
لماذا البقاء في تلك البلاد الغريبة ؟
لماذا لا نعود أدراجنا إلى حيث يلتم شمل الأحبة و الخلان .....؟ ....لا أدري.....
ساعدوني في إيجاد جواب ...ساعدوني