يبدو أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشباب في سوريا أخذت تدفع بعضهم في السنوات الأخيرة إلى ابتكار
تقاليد جديدة في الزواج يأتي في مقدمتها "المساكنة" التي يرفضها البعض ويرى أنها لا تتفق مع تقاليد المجتمع أو
الدين، فيما يبررها البعض الآخر كونها تعد حلا مؤقتا للطرفين وفرصة لزيادة التعارف فيما بينها.
وتشير صحيفة "بلدنا" إلى أن تجربة "المساكنة" التي يعيشها اليوم عدد كبير من الشباب السوري تتمثل في وجود حياة
مشتركة دون صك زواج وتتطلب الكثير من الجرأة والتمرد دون خوف من المجتمع، ليمضي هؤلاء حياتهم على الخط الفاصل بين
العلن والخفاء.
وتضيف الصحيفة "هي مؤسسة عشوائية يبنيها شاب وفتاة, بعيداً عن تقاليد المجتمع وعاداته, يراها البعض خطوة نحو تأسيس
حياة زوجية مرخصة, في حين يراها البعض الآخر تلبية لرغبات مكبوتة, والكثير الكثير من المبررات التي يقدمها الشباب
والفتيات لفرض أسلوب آخر للتعايش بينهما على مجتمع يرفض حتى الاعتراف بوجود ظاهرة اسمها المساكنة".
وتقول هبا (23 عاما) عن علاقتها بيزن "في البداية رفضت فكرة أن نعيش معاً في منزل واحد، لكن وبعد تفكير طويل
بالموضوع وجدت أنه لا مانع من أن نكون معاً وضمن بيت واحد، فذلك سيساعدني في التعرف إلى صفاته عن قرب, على الرغم من
صعوبة هذه الخطوة في بداية الأمر ضمن مجتمع محافظ".
ويضيف يزن "أردنا التعامل بشكل بسيط وبعيد كل البعد عن تعقيدات المجتمع الذي يرفض فكرة "المساكنة", فالحياة
المشتركة تجعلك تكتشف الشخص الآخر أكثر وإذا ما كنت تستطيع أن تكمل حياتك معه, وأعتقد أنها مرحلة مهمة جداً يجب أن
يخضع لها كل من الشاب والفتاة, ونحن نفكر في الارتباط رسمياً، لأننا وجدنا أننا نستطيع التأقلم مع بعضنا, أما اليوم
فنتعامل مع المجتمع بكذبة صغيرة حسب تعبيرهم هي خاتم الزواج وكلمة صغيرة أمام الجيران".
وترى الدكتورة صباح السقا (أستاذة في كلية التربية) أن "المساكنة" ظاهرة موجودة في أوروبا بشكل كبير, "لكن وجودها
في مجتمعنا له خطورة كبيرة بسبب العادات والتقاليد".
وتضيف "من حيث الفكرة لا مانع من "المساكنة"، في حال كانت مقتصرة على الزمالة بين الطرفين ويجب أن يكون الطرفان
على درجة كبيرة من الوعي، لاسيما الفتاة, وذلك من أجل ضبط رغباتهم الجنسية, ويجب قبل كل شيء أن نعي إلى أي حد
تتلاءم هذه الظاهرة مع البيئة التي نعيش فيها".
وتتابع "على الرغم من أننا مقبلون على انفتاح في المجتمع السوري, لكن خطورة المساكنة تكمن في النتائج الخطرة التي
من الممكن أن تحصل جراء إقامة علاقة بين الشاب والفتاة خارج إطار الزواج, ولكن بكل الأحوال يجب أن نحافظ على الأسرة
لأنها بناء أساسي ومهم في المجتمع". وتنقل صحيفة "الثورة" عن كاترين قولها إن "مسألة 'المساكنة' تعتبر صراعاً بين
قطبين: عادات وتقاليد المجتمع من جهة والرغبة من جهة أخرى, المساكنة هي ثمرة انتصار الرغبة". وحول نظرة المجتمع
ودرجة الرقابة التي يفرضها على هذا النوع من الارتباط يعتبر شريكها فادي أن المساكنة هي "لعبة ذكاء أي يجب أن تصنع
شيئاً من التوازن بين ما تريده أنت وما يريده ا لمجتمع", ولا يتردد في القول إن الجسر الذي يصل بين هذين الأمرين هو
الكذب.
ويؤكد المحامي تمام حسن عدم وجود نص قانوني في سوريا يجرم "المساكنة" مشيرا إلى أنها ظاهرة حديثة "لم تكن موجودا
لا في سورية ولا حتى في أوروبا عندما صدر قانون العقوبات السوري عام 1949للميلاد". ويضيف "القانون السوري يفرض
عقوبات قاسية تتمثل في السجن بين 3 أشهر و 3 أعوام على التعرض للآداب العامة في مكان عام أو في مكان مباح للجمهور
أو في مكان معرض للأنظار وهذا ليس له علاقة بالمساكنة"، وترفض رهف (28 عاما) "المساكنة" وتعتبرها أحد أنواع الشذوذ
الاجتماعي والجنسي.
وتضيف "لم أعتقد وجود مثل هذه الحالات في مجتمعنا لأنها خروج على عاداتنا وتقاليدنا وبالتأكيد أمر كهذا مرفوض
بالنسبة لي وللكثيرين، ومن يقدم على هذه الخطوة لا يبحث إلا عن ملذاته الشخصية متناسياً الآثار السلبية التي من
الممكن أن تنشأ جراء إقامة علاقة غير شرعية وخارج إطار العرف الديني والاجتماعي". ويعتبر غسان(32عاماً) أن المساكنة
هي تهرب من قوانين الالتزام الاجتماعي والديني, مشيرا إلى أن "إقامة علاقة بين الشاب والفتاة خارج إطار الزواج ما هو
إلا زنا، ويجب محاربة هذه الظاهرة لأنها باتت تستشري في مجتمعنا بشكل كبير".
ولكن أيهم (36 عاماً) لا يجد مانعا من "المساكنة" بين الشاب والفتاة في حال وجد الحب بينهما وكانا يفكران جدياً في
الزواج, "فالمساكنة ستوفر لهم بالتأكيد فرصة أكبر ليتعرف كل منهما إلى الآخر قبل الإقدام على خطوة مصيرية, وبالتالي
هذه حرية شخصية ولكل إنسان حرية الاختيار بين الزواج أو المساكنة". وكانت محامي سوري دعا في وقت سابق إلى ضرورة
تقنين "المساكنة" للتخفيف من الآثار السلبية التي قد تنتج عنها، مشيرا إلى ضرورة توقيع عقد مشترك يوضح حقوق
الطرفين اللذين لجأا لـ"المساكنة" كبديل عن العلاقة الزوجية.
ونقلت موقع "العربية" عن المحامي عبد الله علي قوله إن القضاء السوري لا يمكنه رفض ما أسماه "عقد المساكنة"، لافتا إلى
أن القانون السوري يبيح العلاقات الجنسية لغير المتزوجين. وأضاف المساكنة هي "عقد شفهي بين ذكر وأنثى عازبين
يلتزمان فيه بالعيش المشترك تحت سقف واحد ويبيحان لنفسيهما التمتع ببعضهما، ويتشاركان في الوجوه الأخرى للحياة
العامة بصيغ مختلفة ومتعددة".
وقال علي إنه حسب النصوص القانونية بسوريا فالعلاقة الجنسية بين الشاب والفتاة إذا كانا بالغين وعازبين
هي علاقة مباحة، وطالما أنها مباحة فهي مشروعة لأي عقد، حسب تعبيره. وأضاف "بناء على ذلك يمكن الطرفين،
وخاصة من مصلحة الفتاة، أن تنظم هذه العلاقة بموجب عقد تحدد فيه الشروط بدقة خوفا من حصول مشاكل فيما بعد، سواء
كانت مادية أو مشاكل تتعلق بنسب الطفل".
وانتقد الدكتور حسام السعد أستاذ علم الاجتماع غياب الدراسات العلمية حول ظاهرة "المساكنة" مشيرا إلى أن "الدراسات
عن هذه القضية يبدو أنها محرمة، والاشخاص من الذين يعيشون في مساكنة لا يتحدثون للباحثين، ولذلك لا تتوفر أرقام
ومعطيات علمية دقيقة عنها". وأضاف "المساكنة منتشرة بدمشق أكثر، لكونها عاصمة وتتطلب نمطا من العلاقات أكثر
أريحية من الزواج، حيث لا توجد التزامات كبيرة جدا ولا يوجد، أهل أي شبكة علاقات مشاركة في العلاقة، وتسمح بحرية حركة
للطرفين". وتابع "أعتقد أن العامل المادي من اسباب "المساكنة" لكنه قد لا يكون رئيسيا أمام العامل الآخر، وهو
التوجه نحو نمط علاقات يخرج عن الاطار العام الموجود فالمساكنة هي عقد وجداني وشفهي بين طرفين".
الله الله يـــا بلــــــــدنـــــــــــا !!!!!!!!!