بعدة رصاصات من مسدس "جاد الله الجمّال" في قرية "امتان"* كان إعلان الثورة السورية في 19/7/1925
أمام مضافة يعود تاريخها إلى أكثر من قرن ونصف وهي "مضافة الأمير علي الأطرش" بعد أن جاء "سلطان باشا الأطرش" بصحبة ستة أشخاص ليخرج من القرية بأكثر من ثلاثين فارساً متجهاً إلى قريتي "ملح وعرمان"** التي بدأت منها الثورة عسكرياً حينما أسقط أحد أبنائها طائرة للفرنسيين.
الحادثة كما رواها ابن الشهيد "جاد الله الجمال" السيد "اسماعيل الجمال" والبالغ من العمر أكثر من ثمانية عقود لموقع eSwueda قائلاً: «زار "سلطان باشا الأطرش" قريتنا بعد أن وصل قرى "بكا وذيبين وأم الرمان والمشقوق"*** ليحل ضيفاً في "امتان" بمضافة الأمير "علي الأطرش" الذي لم يتجاوز ثلاثة عشر عاماً آنذاك، وبصحبه كل من إخوته "علي وزيد ومصطفى"، وابن عمه "صياح الحمود" من قرية "بكا" ومن آل "العبد الله" لا أذكر ما اسمه، وأيضاً "حمد البربور"، جاؤوا ليدعوا للثورة لأن الفرنسيين تمركزوا في "السويداء" وقد انطلقت سرية مدرعات بقيادة "نورمان" متجهة إلى "الكفر"، فأجابهم الأمير "علي": "يجب أن ننتظر عمي سلامي" وعندما وصل الخبر إليه قال لهم: "علينا أن نتشاور مع أهل امتان"، وفي تلك الآونة اجتمع عدد من أهالي البلدة بينهم والدي "جاد الله الجمال" والمرحوم المجاهد "يوسف العيسمي" الملقب "أبو حمد" الذي دفع ببيرق البلد، وتعالت أصوات الأهازيج والحداء، وتجمع أهالي القرية أمام المضافة، وتسابق الجميع إلى النخوات، وأطلق والدي بمسدسه عدة رصاصات، عندها قال المرحوم الباشا: "هذا إعلان عن بدء الثورة وعلى الله المتكال"، وانطلقوا بصحبة ثلاثين فارساً إلى قرية "ملح" ثم "عرمان" التي أسقط أحد أبنائها طائرة للفرنسيين ودمروا في طريقهم "الاستشارية
من أمام المضافة
الفرنسية"، ليتم إعلام الثوار عن مكان التجمع في منطقة "العيّن" الواقعة بين "صلخد" و"الكفر"****، وإرسال النذير لقائد الحملة "نورمان" بمكتوب كتبه "حمد العيسمي" وأوصله والدي "لأسعد مرشد" في قرية "الكفر"».
المهندس الزراعي "كمال العيسمي" باحث تاريخي وأحد أعضاء لجنة جمع تراث الثورة السورية الكبرى أوضح في دراسة له عن قرية "امتان" مورداً فيها تلك الحادثة قائلاً: «في مطلع عام 1925 بعد أن عيّن الجنرال "ساراي" بدلاً من الجنرال "ويغان" مفوضاً سامياً على سورية طلب من الجبل وفداً للحضور إلى دمشق من أجل مناقشة أزمة الحكم والمظالم التي تتم في عهد "كاربييه" حاكم الجبل العسكري وخص بالحضور مع الوفد "سلطان الأطرش" لكن "سلطان" بالأصل لديه حس فطري بعدم الركون للمحتل فرفض الذهاب فاعتقل "ساراي" من ذهب للتفاوض وأصبح سلطان مطلوباً لأنه حسب رأي السلطات الفرنسية يثير القلاقل ويشجع على التمرد فأرسل الكابتن "نورمان" على رأس مجموعة عسكرية خيمت غرب "القريا" مهمتها اعتقال "سلطان" ومن معه لكن "سلطان" خرج مع كوكبة من الفرسان في مسار جنوبي بتاريخ 17 تموز 1925 قاصداً "بكا" عابراً "ذيبين" إلى "أم الرمان" نام فيها ليلة عند المجاهد "حمد البربور" ثم "الغارية" ومنها إلى قرية "عنز" وبقرية "المشقوق" أمضى ليلة فيها عند "اسماعيل
سلطان باشا الأطرش
الحجلي" وتابع طريقه إلى "امتان" فوصلها صباح 19/7/1925 و"امتان" لم تنس قصف الطائرات وسفك الدماء، عَلِمَ "سليمان حمد العيسمي" أن "سلطان باشا" وستة من رفاق دربه ضيوف في "امتان"، وأرسل خلف شقيقه "يوسف" الذي كان شمال البلده في كرم العنب، ودعا إلى مضافة والدهم "حمد"، التي أحرقها الأتراك مرتين وهدمها الفرنسيون فيما بعد، لفيفاً من أهل "امتان" راغبين في مقاومة المحتل.
وعندما أتى "يوسف العيسمي" أعلمه شقيقه "سليمان" أن الباشا موجود في البلد وأنه سأل عنه وأن الأمر محتدم بين أخذ ورد "روح سلم عليه واعزمو". فقال "حمد العيسمي" لتوه: "هذي ما بدها عزيمة هذي بدها نخوة جيبوا هالبيرق"!. وخرج بالبيرق ودخل الميدان (أي ساحة القرية المقابل للمضافة) مع أهل الهمة، ومن أتى لنخوتهم على صوت حدائهم وزغاريدهم وعياراتهم النارية، واندفع أهل "امتان" خلف بيرقهم كالسيل الجارف، وارتفعت أمام "سلطان" أول راية ثورية هبت ريحها ترفرف وتردد الحداء مع نخوة الرجال، ولنخوة الرجال فعل كبير في عادات وتقاليد الجبل، فحروبه كلها نخوات، هذه الهبة العارمة كانت فاتحة عيون الثورة وبادئاً لها، وخرج "سلطان" ورفاقه باتجاه "ملح" وعددهم تسعة وثلاثون فارساً،