تعطيل قانون منع الاحتكار أساس الداء.. والمحاكم التموينية الجديدة /مضيعة للوقت/!!
من يقرأ مضامين موجة التصريحات الصادرة عن فئة من التجار والصناعيين، ليس بوسعه سوى الاستنتاج، بأنّ موجة جديدة من ارتفاع الأسعار قد تهاجم الأسواق في وقت قريب، وغالباً ما تكون الحجج والذرائع جاهزة لتسويغ وتبرير أي تبدُّل، وخاصة لجهة السلع والمواد الغذائية، والذريعة الأبرز التي يجري تسويقها هذه الأيام، تتمحور حول برنامج الرقابة على المستوردات الذي تمضي به وزارة الاقتصاد منذ شهور، فحسب التجار أنَّ هذا البرنامج سوف يسهم في رفع أكلاف المنتجات، وذلك كنتيجة مباشرة لاستيفاء المزيد من الرسوم الجمركية، بهدف تغطية أجور وأتعاب ومصاريف الشركات الأجنبية التي تعاقدت معها وزارة الاقتصاد، للقيام بمهام وآليات الرقابة الجديدة التي تأخذ بها معظم دول البلدان منذ تطبيق اتفاقات منظمة التجارة العالمية مطلع عام 2005،... والتجار الذين أقاموا الدنيا واقعدوها في أعقاب صدور برنامج الرقابة على المستوردات، قد تكون تصريحاتهم محقة في حال الأخذ بعين الاعتبار الأسباب التي يتمترسون خلفها، لجهة تسديد بدلات جمركية غير معمول بها سابقاً. غير أنّ اللاَّفت من وجهة نظر المراقبين، بأنّ هذه التصريحات كانت متزامنة في صدورها، مع بعض الأخبار والتسريبات الرسمية وغير الرسمية، التي تشير إلى إمكان زيادة رواتب وأجور العاملين في القطاع العام قبل نهاية العام، وبالتالي، فإنّ برنامج الرقابة على المستوردات قد يشكل ذريعة لا أكثر.
ولأنَّ وزارة الاقتصاد قد وصلتها الرسالة، فهي لم تقف مكتوفة الأيدي ولم تلتزم الصمت، وإنما بادرت في الإعلان وبفم مليء، بأنّ مستوردات التجار من المواد الأولية، وخاصة التي تدخل في تصنيع وإنتاج المواد الغذائية، ستكون مصفاة من الرسوم، الأمر الذي يفوِّت على التجار والصناعيين أية حجة أو فرصة تسمح برفع الأسعار..، ولكن يبقى السؤال: هل تدابير وإجراءات الاقتصاد التي يفترض أنها مطمئنة.. ستقنع التجار في العدول عن أفكار تبشِّر بـ"تسونامي" جديد من الغلاء؟!
المتابعون من الاقتصاديين ولأدق تفاصيل الحراك الاقتصادي السوري لهم رأيٌ آخر، ولسان حالهم يقول: إذا كانت تصريحات التجار قد جاءت متزامنة مع إطلاق برنامج الرقابة على المستوردات، وإمكان زيادة الرواتب والأجور في وقت قريب، فليس ذلك، إلاّ أنهم أرادوا استثمار ذريعة مشابهة في حيثياتها وتفاصيلها لقانون الإنفاق الاستهلاكي الذي صدر قبل سنوات، وكان من نتائجه أنّه قلب مشهد الأسعار رأساً على عقب، فالسلعة التي يفترض ارتفاع أسعارها بنسبة (5-10) بالمائة، شهدت إضافات وصلت إلى حدود (30-50) بالمائة، كما أنّ بعض المنتجات التي لم تدرج أساساً ضمن القوائم التي يطالها القانون، لم تنجُ بدورها من ارتفاع الأسعار، وتقصَّد التجَّار في حينه إلى خلط الأوراق وإحداث فوضى، كان من نتائجها تعرُّض الأسواق لأسوأ هجمة سعرية، والواضح، أنّ هؤلاء التجار أنفسهم يبذلون اليوم قصارى جهدهم، لإعادة إنتاج تجربة سابقة، وإنما بذرائع وظروف مغايرة..، والذين يؤكدون على هذا الرأي، من الاقتصاديين، يظهرون شيئاً من التشاؤم، ويحذرون من احتمال عدم انصياع التجار لإجراء وزارة الاقتصاد في إعفاء المواد الأولية من بدلات جمركية جديدة، وبمعنى أدق، بأن زلزال الأسعار المدوي قد يشهد حضوراً على الرغم من اتخاذ الوزارة للإجراء المناسب،... فهناك دائماً ما يكفي من الحجج والمبررات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت منظمة الغذاء العالمية (فاو) توقعت قبل شهور، بأنّ العام المقبل 2011 قد يشهد موجة غلاء لعدد من السلع الغذائية، وهذه الموجة قد تتشابه في حيثياتها وتفاصيلها مع المقدمات التي أدت إلى ظهورها خلال عامي 2008 و2009، والمقصود بذلك، الجفاف وانخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية في أكثر مكان على ساحة المعمورة، إلى جانب الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات وغيرها. والملاحظ، أنَّ التوقعات التي أطلقتها (فاو) وجدت آذاناً صاغية من جانب فئة من التجار، وتناغمت معها من خلال تصريحات تقول في معانيها المضمرة والمعلنة، بأنّ أسعار المنتجات الغذائية سوف تشهد ارتفاعاً، سواء بادرت وزارة الاقتصاد في إعفاء المواد الأولية من الرسوم الجمركية أم لم تبادر.. ومثل هذه التصريحات، من الواضح أنها تحمل إصراراً ليس عادياً على ضرب الأسواق بموجة جديدة من الفلتان، وذلك على الرغم من انتفاء حضور أية مبررات اقتصادية محلية أو إقليمية ودولية،.. فإذا كان البعض ما زال يراهن على تداعيات الأزمة المالية العالمية، فإنَّ هذه التداعيات قد حطت أوزارها حتى في البلدان التي أشعلت شرارتها وانطلقت منها،.. وأمّا إذا كانت "الشماعة"، سوف تتلطى خلف ذريعة ارتفاع أسعار العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية، مثلما كان واقع الحال لغاية منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، أي قبل خمس سنوات، فإنَّ هذه الذريعة بدورها لن تجد من يروِّج لها أو يقنع بها، لأنّه وفي حال إجراء مقاربة، ما بين أسعار صرف عملات مثل (اليورو) و(الدولار) مقابل الليرة في السوق المحلية، سنجد أنّ "باروميتر" الأسعار هو في صالح العملة المحلية التي ارتفعت قيمتها فعلياً، مقارنة بالأسعار التي كان يجري تداولها قبل أكثر من خمس سنوات، ففي وقت من الأوقات وصل سعر صرف الدولار الواحد إلى عتبة (60-65) ليرة، بينما انخفض السعر واستقر إلى حدود (46-47) ليرة منذ أكثر من خمس سنوات. وذات الأمر يمكن سحبه على (اليورو) والذي انخفضت قيمته مقابل معظم العملات بنسبة وصلت إلى نحو (30) بالمائة أو أكثر، قياساً بقيمته الفعلية حين بادرت أوروبا الموحدة في الإعلان عن ولادته..، والمؤسف، أنّه وبالرغم من هذا الانخفاض الظاهر للعيان، فإنّ أسعار المنتجات المستوردة، ليس فقط لم تنخفض، وإنما هناك من يجاهر في السر والعلن، إمكان حدوث "تسونامي" الأسعار الذي نتحدث عنه. وبسبب انتفاء الظروف والشروط والمبررات الداخلية والخارجية التي تسمح بظهور موجة الغلاء الموعودة، فإنّ هناك من يسأل: ولكن أين هي الأسباب التي تشجع التجار على إطلاق تهديدات شبه يومية.. وصل هناك دخان يصدر من غيرنا؟!
للإجابة على هذا السؤال، يمكن القول: بأنَّ الأسباب الفعلية التي شجعت في الماضي وفي الوقت الحاضر على ارتفاع الأسعار، تتمثل في قدرة فئة بعينها من التجار من احتكار الأسواق، وذلك على الرغم من صدور قانون يسمح بالمنافسة ويمنع الاحتكار..، وبهذا المعنى، إذا كانت هناك مسؤولية مباشرة عن هذا التهديد بموجة الغلاء المرتقبة، فإنّ هذه المسؤولية ومن ألفها إلى يائها ستبقى منوطة بالمرجعيات الحكومية التي ساعدت في الإبقاء على شريحة المحتكرين ولم تسمح لسواهم من دخول ميدان الاستيراد لتكريس المنافسة، فالأمر الذي يعلمه (القاصي والداني) أنّ كل قطاع من قطاعات السلع المستوردة، يتم استحواذه والسيطرة عليه من جانب أشخاص قد لا يصل عددهم أصابع اليد الواحدة، بدءاً من استيراد أعواد الثقاب والمنتجات الغذائية وليس انتهاءً بالسيارات، وهؤلاء ببساطة، لمجرَّد المبادرة بتخزين بعض السلع في مستودعات وأقبية معلنة أو سرية، وحجبها عن الأسواق وعن تجار الجملة والمفرق، لمدة زمنية قد تقل عن الأسبوع أو الأسبوعين، عملاً بقانون العرض والطلب، فإن الأسعار حتماً ستشهد ارتفاعاً يحدد نسبها التاجر سلفاً، دون النظر لكل ما له علاقة بهوامش الربح المسموحة أو المقرة من جانب وزارة الاقتصاد..، وفيما لو اعترفت هذه الأخيرة بحقيقة فشلها الذريع في محاربة الاحتكار، فإنها ستكون قادرة على إعادة تقويم الأسواق، ومحاربة كل المظاهر والأساليب التي أدت إلى حدوث التجاوزات، ففي عام 2008 ظهر قانون المنافسة ومنع الاحتكار، واحتفت في حينه المنابر الإعلامية بالمولود التشريعي الجديد، لكن وللأسف بقي هذا القانون مجرّد حبر على ورق مع أنّ مضامينه تمكِّن المرجعيات القضائية وغير القضائية من محاسبة المسيئين ومنع ظهور الاحتكارات بين القوى الاقتصادية في السوق..، واللافت أيضاً، أنَّ وزارة الاقتصاد تتعاطى في الوقت الحاضر مع التجار، كما لو أنّ قانون منع الاحتكار لم يصدر، كما أنها ما زالت تمضي بآليات رقابية لحماية المستهلكين، تتشابه وإلى حدود التطابق مع أساليب قديمة سبقت ولادة القانون وأكل الزمان عليها وشرب منذ الربع الأخير من القرن الماضي، وباتت موضع سخرية من جانب الرأي العام، كونها عبارة عن مسرحية أو سيناريو تتوزع فيه أدوار الفساد بين الرقيب من جهة وبين التجار الذين لا يتوروعون من (دفع المعلوم) للتملص من أية مخالفة تموينية وغير تموينية.
ولعلَّ الإجراء الأحدث في الإطار الذي نتحدث عنه، أنّ وزارة الاقتصاد بادرت قبل أيام في الإعلان وبكثير من التباهي، على لسان مدير حماية المستهلك في الوزارة، أنها استطاعت الحصول على موافقة رئاسة مجلس الوزراء، وذلك بشأن (10) مقترحات أبرزها: إحداث هيئة وطنية لحماية المستهلك، إلى جانب إحداث محاكم خاصة بالقضايا التموينية ومنح (10) بالمائة من قيمة الضبوط التموينية لعناصر حماية المستهلك، ومن يقرأ هذه الاقتراحات، ليس بوسعه سوى الاستنتاج، بأنها عبارة عن (صورة فوتوكوبي) لإجراءات وتدابير تمَّ اتخاذها منذ ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، بينما لو توفرت النوايا الحسنة التي ترمي فعلياً إلى حماية المستهلك، فإنّ أيسر الحلول وأسهلها ستبقى ممثلة في ترجمة مضامين قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار، فهذا الأخير، وحده يمتلك القدرة في وضع النقاط على الحروف، والبحث عن سواه من الحلول ليس أكثر من "مضيعة للوقت" أو أشبه بالحرث في عرض البحر
عذرا"لطول الموضوع لكن يجب نقله كاملا" لاهميته الله يستر
مع تحيات الليـــــــــــث