لو اشتهر أرسطو فى تاريخ الفكر السياسي بشيء فهي مقولته الشهيرة:
إن علم السياسة هو علم السيادة وهو علم السعادة.
ويقصد بذلك أن علم الحكم وإدارة شئون الدولة هو العلم السيد على جميع العلوم الأخرى وهو المفضي إلى سعادة البشر الجماعية إن كانت
شئون الحكم فى أيد رشيدة. فلو تخيلنا مجتمعا فيه مئات العباقرة والمبدعين لكن يحكمه هتلر أو موسيلينى.
إذن ما الفائدة؟
إن علم السياسة هو علم التوفيق (وليس المفاضلة أو الاختيار بالضرورة) بين الضرورات المتعارضة، فالاستقرار ضرورة، ولكن
الديمقراطية ضرورة أيضا والمهارة كل المهارة أن توفق بينهما دون التضحية بأى منهما.
وقد تراضى الفلاسفة ودارسو العلوم السياسية على عدة حقائق من بينها أن هناك مجتمعات كانت أكثر حظا من مجتمعات أخرى فى إدراك
أهمية الديمقراطية كاختراع (أى ابتكار من عدم) أو اكتشاف (أى كفكرة إنسانية موجودة تاريخيا لكنها احتاجت للاجتهاد البشرى كى يتم
التنظير لها وبناء المؤسسات اللازمة لترجمتها إلى واقع معيش).
لو تتبعنا تاريخ الإنجازات والاختراعات الإنسانية فسنجد أن البشرية عرفت ما لا يقل عن 16 مليون اختراع واكتشاف بشرى على مدى
خمسة آلاف سنة هى عمر الحضارة منذ أن عرف الإنسان الكتابة وفقا لموسوعة المعارف البريطانية. لكننا لو ربطنا بين الاختراعات
وقيمتها المضافة، أى قدرتها على أن تؤثر فى عدد كبير من البشر فإننا يمكن أن نحصر أعظمها وأبلغها تأثيرا فى سبعة اختراعات كبرى.
فهناك أولا الكهرباء بما سمحت به من إنجازين مهمين وهما: المزيد من سيطرة الإنسان على الطبيعة وثانيا مضاعفة مساحة الزمن المتاحة
للبشر، فلولا الكهرباء لنامت المدن كما القرى فى الماضى بعد حلول الظلام مباشرة.
وثانى هذه الاختراعات العظمى هى دورات المياه فى البيوت التى جعلت الانتقال من البداوة والريف إلى المدينة ممكنا.
وثالث الاختراعات
الكبرى هى الطباعة التى نجحت فى أن تضاعف سرعة انتقال المعرفة؛ فلولا الطباعة لما كنا اكتشفنا أو عرفنا الاختراعات الأخرى أو ربما
كنا عرفناها فى أزمنة لاحقة.
ورابع الاختراعات الكبرى هى الرياضيات بفروعها المختلفة. فالرياضيات هى أساس العلم الحديث بل هى الفارقة فى نقل المعارف من
سيطرة الفلسفة والجدل النظرى والمعيارى، أى الذى يؤكد على ما ينبغى أن يكون، والمماحكات اللفظية التى تنطوى على رؤى ذاتية وبين
العلوم سواء الطبيعية أو الاجتماعية.
وخامس هذه الاختراعات الكبرى هو النقود التى سهلت التفاعلات الإنسانية على نحو ما نستشعر جميعا. فلولا النقود، كوسيط للتبادل
وكمخزن للقيمة، لما أمكننا الحديث عن تجارة وتبادل خدمات ومنافع بين البشر.
وسادس الاختراعات الكبرى هى الجامعات وما يرتبط بها من مراكز للبحث العلمى. فلولا الجامعات ومراكز البحث العلمى لما أمكن أن
تتضاعف المعرفة الإنسانية مرة كل ثلاثين سنة، على نحو ما نعيشه الآن. وهو ما يبدو منطقيا مع حقيقة أن 90 بالمائة من العلماء الذين
عرفتهم الإنسانية لايزالون أحياء فكل الأسماء العظيمة من منتجى المعرفة فى العالم أجمع منذ سقراط وأفلاطون وحتى مصطفى مشرفة
وجمال حمدان وكل من تركوا هذه الدنيا من علماء لا يشكلون أكثر من 10 بالمائة لأن العلم والبحث والاختراع والابتكار كلها أصبحت مهنة
مستقلة بذاتها لا يمارسها العالم أو المخترع فى وقت فراغه.
وسابع هذه الاختراعات الكبرى وأقدمها وأصعبها هى الديمقراطية.
نتابع غدا" معها كي لا أطيل عليكم