لمضافة "عرمان" حكاية جميلة تستحق أن تروى.. ولا تزال هذه الحكاية محفورة في أذهان كافة أهالي القرية ويتوارثونها جيلاً بعد جيل.
يسكن المضافة حالياً السيد "خليل إبراهيم الجرمقاني" حفيد صاحبها المرحوم "خليل الجرمقاني" وقد حافظ عليها وعلى كافة مقتنياتها بما فيها بابها الخشبي المثقب بالرصاص، وهي لا تزال مفتوحة لاستقبال الضيوف، بعد أن رمم سقفها المهدم، لتروي لهم حكايتها التي تحدث عنها السيد "خليل" قائلاً:
«في عام 1896م أرسل "ممدوح باشا" قائد جيوش الدولة العثمانية آنذاك قوة من ثلاثة وثلاثين جندياً إلى قرية "عرمان" لتأديب نواطيرها، رافقها رجلان من أبناء الجبل طمعاً بدلالتهم باعتبارهما ابني المنطقة، فاختارت التوجه إلى بيت المختار "إبراهيم الجرمقاني" لحسم موضوع الخلاف مع النواطير.
وصلت القوة إلى منزل المختار يوم الخميس 2 تشرين الثاني عام 1896م، وطلبت على الفور استدعاء النواطير الثلاثة وهم "محمود أبو خير"، و"ملحم الحلبي"، و"يوسف ياغي"، وكان ثلاثة من العسكر قد قصدوا منزل "محمود أبو خير" لإحضاره، وقد كان منهمكاً في إعداد وليمة لضيوفه القادمين من المقرن الشمالي من "آل سلام"، ولما جدوا في طلبه للحضور إلى منزل المختار حاول "أبو خير" استمهالهم ريثما ينهي ضيوفه الطعام، إلا أنهم عاجلوه بإطلاق النار عليه وقتله أمام منزله، قبل أن يتوجهوا إلى بيت المختار حيث القائد والقوة المرافقة.
أثار الجناة المعتدون غضب الأهالي فلاحقوهم وحاصروهم وهم يتهددون ويتوعدون، فتحصنوا
مع القوة وقائدها في مضافة الشيخ "خليل الجرمقاني"، وراحوا يطلقون النار من خلال بابها الموصد على كل من يقترب منهم، فقتلوا ستة من أهالي "عرمان" من داخل المضافة عبر بابها، الذي لا يزال ماثلاً للعيان يشهد على صحة تلك الواقعة.
قرر رجال القرية الثأر منهم بهدم المضافة على الجنود المتمترسين في داخلها حيث لم ينج إلا اثنان، استجارا بالنساء».
الأستاذ الصحفي "حسين خويص" من أهالي القرية تابع بقوله:
«الهدف الأساسي من حملة الوالي على القرية كان وحسب بعض الروايات للتوجه إلى منزل "حسين الأطرش" لأخذ ابنته الجميلة السيدة "ميثا الأطرش" بالقوة، كزوجة للوالي العثماني "ممدوح باشا".
تبدأ الحكاية بحضور "ميثا الأطرش" ابنة الشيخ "حسين الأطرش" وزوجة "محمد الأطرش" ابن عمها وشيخ مدينة "صلخد"، محاكمة جرت بين ولدها القاصر "جاد الله" وأخوه الأكبر "نسيب" من زوجة ثانية "لمحمد الأطرش"، اللذان اختلفا على الميراث بعد وفاة والدهما وتقاضيا أمام "ممدوح باشا" القائد التركي، وذلك لعدم وجود محاكم مدنية في ذاك الوقت.
وكان أن أعجب الوالي العثماني "بميثا" وحكم لمصلحة ابنها وطلب يدها للزواج قبل مغادرتها، إلا أن جوابها الذي جاء بدافع الخوف كان بأن طلبت التأجيل ريثما تستشير والدها في الأمر وتحصل على موافقته.
عادت "ميثا"
رممت المضافة.. ولكن بابها لازال يحتفظ بآثار الرصاص عليه
بعدها لتروي ما حصل معها لأبيها ولأهالي قريتها "عرمان"، أولئك الذين تعهدوا حمايتها ووعدوها بالأمان».
جميع هذه الأحداث كانت بداية لقيام معركة "خراب عرمان" المشهورة، حيث تحدث عن المعركة ووقائعها الأستاذ الصحفي "منهال الشوفي" في كتابه (بيارق في صرح الثورة السورية الكبرى).
تحدث بداية عن الأسباب التي دفعت لهذه الحرب بناء على الروايات التي وثقها من أهالي القرية، أما فيما يتعلق بالمعركة وأحداثها فقد جاء في الكتاب ما يلي:
«بعد معرفة "ممدوح باشا" بما حدث في "عرمان"، قرر الانتقام من أهالي القرية فسير ثلاثة ألوية يوم الأحد 5 تشرين الثاني 1896م، الأول بقيادة "أيوب باشا" والثاني بقيادة "غالب بك" والثالث بقيادة "خسروا باشا"، قوامها ألف جندي.
وصلت الحملة العثمانية إلى الشرق من مدينة "صلخد" مساء نفس اليوم، فقام الدليل سراً بإرسال شخص لاعلام أهالي "عرمان" بقدومها، ثم ضلل الحملة بتوجيهها شمالاً نحو منطقة "خراب عرمان" وهي منطقة وعرة المسالك وطرقاتها صعبة وضيقة، وجدران كرومها تحجب الرؤية لمسافة كبيرة وتصلح للتمترس.
وذلك بهدف إبعاد الحملة عن البلدة وإطالة زمن وصولها وتوفير الوقت للأهالي للاستعداد لملاقاتها بعد اعلام مقاتلي القرى المجاورة، لمنع الحملة من دخول القرية والتنكيل بأهلها وملاقاتها بعيداً عنها.
وهكذا تصدى أهالي "عرمان" ومن
معهم من رجال القرى المجاورة للحملة المزودة بالمدافع والرشاشات والبنادق قبل وصولها البلدة، ودارت في الموقع معركة ضارية بين الحملة الكبيرة المؤلفة من ألف جندي، وبين 400 رجل من قرية "عرمان" وعدد من رجال القرى المجاورة المسلحين بالعصي والبلطات وبالقليل من البنادق، دامت المعركة يوماً وليلة حقق فيها الأهالي انتصاراً ساحقاً على الحملة، وظهر في تلك المعركة الدور المميز والبارز للنساء اللواتي شاركن في شد أزر الرجال وتحفيزهم على الدفاع عن أرضهم وأعراضهم، وكانت أشهرهن "سعدى ملاعب"».
نقلا عن موقع عرمان