دفعه طموحه وإصراره الكبيران ليس على تعلم القراءة والكتابة، بل للحصول على شهادة ثانوية وهو في السبعين من عمره.
كانت مفاجأة كبيرة لمراقبي مدرسة "حي المهندسين" أحد مراكز تقديم امتحان الشهادة الثانوية في مدينة "السويداء" وجود متقدم لامتحان الشهادة الثانوية الفرع الأدبي، ألا وهو السيد "غازي رعد" من مواليد عام 1938م، والذي كان بين المتقدمين لامتحان هذا العام، وهذا الأمر على الرغم من ندرته إلا أنه ترك انطباعاً جميلاً، وأثار حماساً كبيراً في صفوف الطلاب المتقدمين.
موقع eSuweda زار السيد "غازي رعد" في مكتبته في ساحة "سلطان باشا الأطرش" في مدينة "السويداء" وحاوره من خلال اللقاء التالي:
* الطموح لا يقف عند عمر معين، فماذا كان دافعك للحصول على الشهادة الثانوية وأنت بعمر الثالثة والسبعين؟
** «حصولي على شهادة الثانوية العامة ليس طموحي بقدر ما هو حلم أسعى لتحقيقه، فأنا خريج المعهد المتوسط الرياضي من جمهورية مصرالعربية عام 1958م، فبعد دراستي للإعدادية في مدينة "السويداء" ونظراً لتفوقي الرياضي حصلت على بعثة إلى مصر ودرست فيها، لأن هوايتي الوحيدة والمفضلة هي الرياضة، وأنا أحد مؤسسي نادي "الفتيان الرياضي" في "السويداء" منذ الخمسينيات، ومن عشاق كرة القدم على وجه التحديد.
أثناء تواجدي في مصر انتسبت لنادٍ يوناني لكرة السلة والطائرة، وبعد عودتي عملت مدرسا لمادة الرياضة في مدرسة "النهضة" سابقاً أو "بديع نادر" حالياً، وبمدرسة "المتنبي" أيضاً.
لم يقف طموحي عند هذا الحد بل بدأت بمراسلة النوادي العالمية وكليات التفوق الرياضي سواء العربية أو الأجنبية، وكان هناك شرط لقبولي كأحد الأعضاء ولو
السيد "غازي رعد"
بالمراسلة وهو أن أحصل على الشهادة الثانوية، ومنذ ذلك الوقت أصبحت الشهادة هاجسي وحلمي، وصممت على الحصول عليها ولو بعمر السبعين لتحقيق حلمي».
* ما سبب تأخرك حتى الآن للحصول على الثانوية؟
** «انتظرت حتى كبر أبنائي وأنهوا تعليمهم وأصبح لكل واحد منهم حياته وعمله. في الفترة الماضية كانت بناتي في الجامعة وكان من المفترض أن أؤمن لهن كافة متطلباتهن ومصروفهن، وهذا الأمر منعني من التفكير في نفسي، أما الآن فقد تفرغت لتحقيق حلمي وأنا مرتاح أنني استطعت تأدية رسالتي مع أبنائي كما أرغب».
* كم استغرقت فترة التحضير لامتحان الشهادة، وهل اتبعت دورات معينة وبشكل خاص للغات الأجنبية؟
** «بدأت الدراسة لمنهاج الثالث الثانوي الأدبي منذ خمسة أشهر فقط، ولم اتبع أي دورة، إنما قرأت المنهاج بمفردي بما فيها مادتي الانكليزية والفرنسية، فأنا لغتي الانكليزية جيدة ودرست الفرنسية بمفردي، والحمد لله لم أشعر إلى الآن بثقل أي مادة فقد استطعت تقديم كافة المواد بيسر وسهولة، وأجبت عن الأسئلة المطلوبة بالكامل، ولم يبق إلا امتحان اللغة العربية وأنا مستعد لتقديمه».
أسس السيد "غازي" مكتبة الأهرام والتي تعد من أقدم مكتبات "السويداء" عام 1966م ولا يزال يعمل بها إلى اليوم، وهي تقع في قلب مدينة "السويداء" وتبعد عن منزله مسافة 1.5 كم، وهذه المسافة يقطعها كل يوم مشياً من وإلى عمله ثلاث مرات على الرغم من وجود سيارته الخاصة التي لا
مع أصدقائه الأستاذين "اسماعيل الملحم" و"سعيد نادر"
يستقلها إلا يوم الجمعة فقط إلى الملعب البلدي لممارسة الرياضة.
وجود المكتبة في حياته كان من باب تحسين الدخل إلا أنها أسست لصداقات طويلة الأمد تجاوزت الأربعين عاماً مع عدد من رواد المكتبة الذين مازالوا يرتادونها إلى اليوم للتواصل وتبادل الثقافة والاطلاع على كل جديد.
من رواد المكتبة من أصدقاء السيد "غازي" التقينا الأستاذ "إسماعيل الملحم" رئيس اتحاد فرع "السويداء" لاتحاد الكتاب العرب سابقاً الذي قال: «تربطني بغازي علاقة صداقة طويلة من المرحلة الاعدادية، كان في المدرسة يلفت الأنظار باهتمامه بالرياضة فهو رياضي مرموق، ثم إن التواصل معه سهل ولديه روح الفكاهة والدعابة التي تقرب الآخرين منه وتكسر الحواجز بينه وبين الناس، كنا نجتمع دائماً في منزله لكونه في المدينة، وبعد تأسيسه للمكتبة أصبح الأمر أكثر سهولة لكونها في قلب السوق فأصبحت مكان تجمعنا الدائم، وهي مكان مريح سهلت تواصلنا وجددت علاقاتنا.
أعلم اهتمام غازي بالعلم والثقافة ولكني صراحة فوجئت بقراره تقديم الثانوية، وفوجئت أيضاً بأنه قدمها لهذا العام بعد تحضير قصير، نحن نكبر فيه هذا الحماس وهذا الاندفاع وندعو له دائماً بالتوفيق، سيكون مثلاً يحتذى به في الاصرار لأبنائه وأحفاده وللمجتمع من حوله».
الأستاذ المتقاعد "سعيد نادر" مدير الثانوية التجارية سابقاً قال: «هذا دليل كبير على الحيوية وحب الحياة، صديقي "غازي" هو مضرب المثل فيما بيننا باندفاعه وحماسه ونشاطه، يهتم كثيراً باهتماماته الرياضية التي طغت على باقي الهوايات في حياته، ولكنها أكسبته قوة وصلابة وجسداً سليماً معافى. قراره بدراسة الثانوية كان ربما مفاجأة بتوقيته، لكنه ليس غريبا أن يفكر بهذا الأمر وهو يحمل من الطموح والأمل بقدر ما يمتلك».
ربما كان قرار السيد "غازي رعد" بدراسة الثانوية تحقيقاً لحلمه بالاشتراك في أكبر الأندية الرياضية، ولكنه بالإضافة إلى كل هذا يعشق الجغرافية والتاريخ وإن أهلته علاماته لدراسة أحد هذه الفروع في الجامعة فلن يتردد أبداً، لأن الثقافة هي حاجة ضرورية لكل إنسان على حد قوله، حتى لو اضطره الأمر لتقديم الامتحان التكميلي الثاني لهذه الغاية.