يصر الموظف في محل الملبوسات الجاهزة على اقتيادك صوب البضائع المخفضة،
يمدّ لك النادل في مطعم الوجبات السريعة ساندويتش العرض الأسبوعي،
يتغيب الأستاذ عن محاضرته الأسبوعية بافتراض أنك تفضل الحصول على محاضرة من «اللا شيء»،
يختار الموظف في مكتب السفر والسياحة وجهتك القادمة، وتوافق، ليس لأن تلك الوجهة
هي وجهتك المنشودة بل لأنك لا تريد التفكير في خيار آخر!
ويندرج ذلك على الأمثلة التي أوردتها في البدء، في ظاهرة إنسان الخيارات الافتراضية،
الذي يشبهه بعض المتخصصين في علم الاجتماع بالطيار الأوتوماتيكي الذي يسيّر الطائرة
إلى وجهتها دون تدخل خارجي.
والمصطلح التقني «الافتراضي» هو ذلك الذي تأتي به الأجهزة الإلكترونية من المصنع،
وللمستخدم اختيار الخصائص والإعدادات التي يرغب فيها بعد ذلك، فالجهاز
سيعمل جيداً في وضعيته الافتراضية وبلا مشكلات ولكنّه سيعمل أفضل عندما تكيفه لاحتياجاتك الحقيقية.
كذلك هي الحياة، لا نعني بالخيارات الافتراضية أنها سيئة إلا أنها بحاجة لإعادة التهيئة والبرمجة
وفقاً لما تحتاج إليه حياتنا «كمستخدمين». وعندما نتوقف عن الاختيار فإننا نترك هذه
البهجة الفردية لتقرر بناء على ما يراه المجتمع ككل وما تقرره جهات أخرى،
حول ما يمكن أن يكون وكيف لنا أن نتصرف ونعيش.
الطريق لصنع اختياراتكم الخاصة ليس باليسير أيضاً، لكنه يستحق السير عليه.
كي نختار يجب أن نحدد أولاً أهدافنا في هذه الحياة إلى أين نتجه وكيف؟
ما الأشياء التي نصنفها بأنها الأكثر أهمية؟
العائلة؟
العمل؟
العلم؟
ومن هناك يمكننا إعادة النظر.
إعادة النظر في خريطة سيرنا ومحطات الوقوف التي نتوقف عندها، هل هي من اختيارنا؟
أم من اختيار الآخرين؟
وهل كنا مجبرين للتوقف؟
أم أنها طريقتنا في الطيران الأوتوماتيكي كي لا نزعج أنفسنا بالتفكير في طريقة أخرى!
يهمّنا أيضاً أن نعلم أن الخيارات التي نتحدث عنها ليست بالضرورة الخيارات المصيرية فقط،
كل ما تفعله في يوم من حياتك مهمّ مهما نظرت إلى بساطته.
لذلك فكوننا نختار مثلاً ألا نأكل اللحوم المجمدة لأسابيع ونختار الطازجة لا يعني أنّه تغيير لا يهمّ،
فله نتائج على المدى البعيد، وإن لم تسوّق لها الإعلانات الاستهلاكية وإن لم يتوجه إليها
السواد الأعظم من المشترين.
اختيارك قراءة الكتب التي تعجبك وتشبع فضولك تجاه الحياة يجب ألا يرتبط بقراءة
الكتب الأكثر مبيعاً أو الأشهر إعلاميا، وقس على ذلك القنوات الإعلامية ومصادر المعرفة الأخرى.
لا تلتحق بتخصص تعليمي لأن عائلتك كلها التحقت به، ومعارفك وأصدقاءك، أين تجربتك الشخصية في هذا؟
لا تقبل بوظيفة محدودة الإمكانات لأنها موضع مديح الآخرين، ما دمت تمتلك العقل والخيار
لاتخاذ طريق آخر فافعل ذلك!
جيم رون متحدث تحفيز أمريكي يقول في هذا الخصوص: «دع الآخرين يعيشون حياة صغيرة،
لكن ليس أنت، دع الآخرين يختلفون على الأشياء الصغيرة،
لكن ليس أنت، دع الآخرين يتركون مستقبلهم في أيدي الآخرين،
لكن ليس أنت».