نستهلك الكثير من الصحة والكثير
من العمر كي نجدف مجبرين باتجاه
جزر وشواطئ لانرغب في أن ترسو
سفننا يوما عليها¤
فكوا قيود قلبي يا رفاقي،ولاتقلقوا
فقد غيرت اتجاه سير القطار
ومزقت خارطة الطريق إليهم
وألقيت بأخر تفاصيلهم في محرقة الأيام.
فما عدت ألتفت إلى الوراء
ألمح ضآلة أحجامهم بذهول.
وأتساءل بدهشة: لماذا تضاءلوا؟
فأنا يارفاقي......
ماعدت أطير بأجنحة الشوق لديارهم كما كنت كل مساء
أمر على الديار ك عصفورة عابرة.
واضعة يدي على أعين قلبي..
كي لا يلمح سقوطهم
وتساقطهم وانطفاء وجوههم.
أنا يا رفاقي.....
ماعدت أتسلل إليهم ليلا" كعاشق
هزت أغصانه رياح الحنين.
ولا أتقصى أخبارهم بقلق أم.
ولا أتجول في طرقاتهم بثقل أسير
يغادر وطنه.
ولا أحصي عدد الوجوه المشوهة
ولا ركام الأقنعة المتساقطة أمامي.
ولا أقرأ ما ينحتون على جدارنهم من الزيف عني.
ولا أنصت لهم من خلف الغرف.. ماذا يقولون وماذا يتقولون.
وماذا يقذفون وماذا يزعمون وماذا يفترون.
أنا يا رفاقي
ماعدت أتوقف على أطلالهم..
أقيس ارتفاع ركامهم تحتي..
أزيل غبار التفاصيل معهم.
وأبحث بين الركام عن دموعي ومشاعري وشموعي وأتذكر بألم:
هنا كتبت،وهنا ضحكت،وهنا بكيت
وهنا خدعت،وهنا ظلمت،وهنا قتلت
أنا يارفاقي.....
ماعدت أزور مقابرهم حزينة.. منكسة القلب..
أعرف قلبي على ترابهم:
هذا قبر أقرب الناس إلي..
وهذا قبر أخت أحبتني في الله يوما" ورحلت
وهذا قبر صديقة أمنتها ظهري وطعنت
وهذا قبر أخ ظننت أن أمي لم تلده
وهذا قبر عقرب بثت سمها في المكان.. فلدغت وشتتت وفرقت
أنا يا رفاقي.....
ماعدت أزور مدينتي التي شيدتها
يوما لعينيه.. وزينته لنساء الأرض.
حتى كدن يغلقن أبوابهن عليه..
ويصرخن به"هيت لك"
تلك المدينة يا رفاقي كانت لي وطنا..
كتبت بها ما كتبت
وسردت بها ما سردت
ونزفت بها ما نزفت.
وتركت عشاق الأرض بين سطورها
يقرؤون رسائلي إليه..
و يبكون.