عندما بلغ الأشدَ .. وبلغ أربعين سنة ..
حسبَ أنَّ للحياة عليه ديناً ..
وأنَّ عليه أن يودّيه ..
فجمع قطراتهِ التي تجمعت مع الندى .. في فجر الأصابيح ..
قلادةً ينظمها ذوب الروحِ .. وخلاصة الفكر ..
ليقلّدها جيلاً يُقبل ..
أو يهديها لأبناء عصره ..
علّهم يتفكرون .
ََََََََََََََََََ
" هكذا تغتال الطاقات "
في مدينة صغيرة أعلن المفتش عن قيامه بزيارة للمدرسة الابتدائية ,
ولكنه بقي واقفاً أثناء الطريق بسبب عطل في محرك سيارته .
وبينما كان المفتش يقف حائراً أما سيارته مر تلميذ وشاهد الرجل الحائر
وسأله عما إذا كان في وسعه مساعدته .. وفي وضعه المتأزم أجاب المفتش :
هل تفهم شيئاً عن السيارات ؟
لم يطل التلميذ الكلام بل أخذ الأداة واشتغل تحت غطاء المحرك المفتوح ,
وطلب من المفتش تشغيل المحرك فعادت السيارة إلى السير من جديد .
شكر المفتش التلميذ , وكلنه أراد أن يعرف لماذا لم يكن في المدرسة في هذا الوقت ؟
فأجاب الغلام :
( سيزور مدرستنا اليوم المفتش , وبما أنني الأكثر غباء في الصف ,
لذا أرسلني المدرّس إلى البيت ) .
َََََََََََََََََََََ
" كن فاعلاً لا منفعلاً "
يحدثنا الصحفي سدني هاريس عن قصة حدثت لصديق له مع بائع صحف تقول :
سلّم صديقه على بائع الصحف بكل تهذيب , فبادره بائع الصحف برد قاسٍ دافعاً الصحيفة في وجهه.
أخذ صديق هاريس الصحيفة بكل تهذيب وابتسم متمنياً لبائع الصحف وقتاً طيباً
وتابع الصديقان طريقهما ودار بينهما في الطريق الحديث التالي :
سأل هاريس صديقه قائلاً : هل يتعامل معك بهذه الوقاحة دائماً ؟
ــ نعم بكل أسف
ــ وهل تبادله بالتهذيب نفسه ؟
ــ نعم
ــ لمَ أنت لطيف معه إلى هذا الحد , مع أنه يعاملك عكس ذلك تماماً ؟
ــ لأني لا أريده أن يقرر عني كيف سأتصرف أنا ؟
َََََََََََََََََ
" المواقف النبيلة .. دعوة صامتة "
سقط رجل عجوز على رصيف في أحد شوارع نيويورك , فحملته سيارة الإسعاف إلى المشفى
واستطاعت الممرضة أن تقرأ من محفظة الرجل الملوثة اسم ابنه وعنوانه
ــ وكان في السلاح البحري ــ فبعثت إليه برسالة عاجلة فحضر .
وعندما وصل إلى المشفى , قالت الممرضة للعجوز الذي غطي بكمامة الأوكسجين " ابنك هنا "
فمد الرجل يده , وهو تحت تأثير المهدئات , فأخذها الشاب المجند
وضمها إلى صدره بحنان لمدة أربع ساعات !
وبين الحين والآخر , كانت الممرضة تطلب من الشاب أن يستريح أو يتمشى قليلاً .. فيعتذر بلطف !
وعند الفجر , مات الرجل العجوز ..
فقال الابن للممرضة : من كان هذا الرجل ؟
فقالت الممرضة : أليس أباك ؟
قال الجندي :لا , ولكنني رأيته يحتاج إلى ابن فمكثت معه !
َََََََََََََ
" وللقلوب الكبيرة .. تقرع الأجراس "
أيها المدثر بالأحزان .. في جوف الليل الأخير
يا من تتميز غيظاً وتذهب نفسك على الناس والحياة .. حسرات
تذكر وفي هذه اللحظات العصيبة بأنك :
" قد تكون أنت .. أنت .. بالنسبة للعالم مجرد شخص ..
ولكنك لشخص ما .. قد تكون أنت العالم "
وللقلوب الكبيرة .. تقرع الأجراس.
" لنعط الكلمة قوة وجودها "
( انتقاء المرء قطعة من عقله) هذا اسم لمصنف خاص يوجد عندي ..
أحتفظ فيه بلمحات فكرية .. وتحليلات نفسية .. لكبار الكتاب من المشرق والمغرب .
ولست مبالغاً إذا قلت : بأن هذه الانتقاءات تشبه عقلي وتوافق تفكيري إلى حد بعيد ..
وإلا لما وقع الاختيار عليها , وتصنيفها .
ومن بين تلك المحفوظات .. وعلى رأسها , قول للرافعي جاء فيه :
ولو أقام الناس عشر سنين يتناظرون في معاني الفضائل ووسائلها ,
ووضعوا في ذلك مئة كتاب , ثم رأوا رجلاً فاضلاً بأصدق معاني الفضيلة , وخالطوه وصحبوه .
لكان الرجل وحده أكبر فائدة من تلك المناظرة ,
وأجدى على الناس منها وأدل على الفضيلة من مئة كتاب , ومن ألف كتاب .
ولهذا يرسل الله النبي مع كل كتاب منزل , لـ " يعطي الكلمة قوة وجودها " .
" كلمات لن تموت "
قرأت في كتاب روائع طاغور في الشعر والمسرح قولاً أعجبني :
( إن الكلمات تفيء إلى الصمت , ولكن موسيقاها تظل ممتدة , ويبقي صداها موصولاً بالسمع )
تذوقت هذا القول مرات عدة , ثم نحيت الكتاب الذي بين يدي جانباً ,
ورحت أنظر في الأفق البعيد وأسائل نفسي :
ما هي الكلمات التي وقفت عليها يا ترى في قراءاتي , ثم بقيت موسيقاها ممتدة ,
وصداها موصولاً بالسمع إلى النفس عندي ؟
ولم تكن الإجابة عني ببعيد , فقد أسعفتني الذاكرة بجرس الكلمات الآتية :
* اجتهادك فيما ضمن لك , وتقصيرك فيما طلب منك , دليل على انطماس البصيرة منك .
* ادفن نفسك في أرض الخمول , فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه .
* ما توقف مطلب أنت طالبه بربك , ولا تيسر مطلب أنت طالبه بنفسك .
* إحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رعونات النفس .
* ما بسقت أغصان ذل إلا على بذور طمع .
* معصية أورثت ذلاً وانكساراً , خير من طاعة أورثت عزاً واستكبارا .
* الناس يمدحونك لما يظنونه فيك , فكن أنت تذاماً لنفسك لما تعلمه منها .
( الخاتمة )
اللهم لا تعذب لساناً يخبر عنك ..
ولا عيناً تنظر إلى علوم تدل عليك ..
ولا قدماً تمشي إلى خدمتك ..
ولا يداً تكتب في سبيلك ..
فبعزتك لا تدخلني ومن أحب النار .
ورحم الله قارئاً قال آمين .