لقــــــد أعلنهــــا صــرخةً مدويـــة (( أعـــــرف نفسك ))
أول شهيد للفلسفة ( حقوق الإنسان وحــرية الأفكـــــار )
........ لقد أراد القضاة إطلاق سراحه ، بينما صوتت الجماهير الغاضبة مطالبةً إعدامه ،........ { ويل له لأنه علّم الناس فوق طاقاتهم على التعلم وهكذا حكموا عليه بشرب السم )
..وجاء أصدقاءه إلى سجنه وعرضوا عليه مهرباً سهلاً ، ........ ولكنه رفض فقد بلغ السبعين من عمره ( 399) ق.م وربما اعتقد أن الوقت قد حان ليفارق الحياة ، وأنه قـــد لا يموت بمثل هذه الطريقة المفيدة لتدعيــم مبادئـه .
لقد قال لأصدقائه الحزينين { افرحوا وقولوا أنكم توارون في التراب جسدي فقط } وعندما نطق هذه الكلمات ، قال أفلاطون في فقرات تعد من أعظم فقرات الأدب في العالم .
نهض سقراط ودخل غرفة الحمّام مع كريتو الذي طلب منّا أن ننتظر وانتظرنا نفكــر ونتحدث .. في حزننا الكبير فقد كان لنا بمثابة الأب الذي سنفقده بعد قليل ونعيش بقية حياتنا يتامــى .
لقد اقتربت ساعة غروب الشمس ، اذ مــرّ وقت طويل ونحن في الداخل ، وعندما خرج علينا جلس معنا مرةً ثانية ... لكننا لم نتحدث سوى القليل ، ودخل السجان ... ووقف بجانبه قائلاً ... إليك ياسقراط يا أنبل وألطف وأفضل من جاوا إلى هذا المكان ، سوف لا أتهــم أو أستذنب شعور الرجال الآخرين الذين يثورون ويغضبون ويسبون ويشتمون ، عندما أقدم لهم السم وأطلب منهم أن يشربوه إطاعة لأوامر السلطة ، وأنا على يقين بأنك سوف لا تغضب مني لأنني لست المذنب كما تعرف والجرم يقع على الآخــــرين ، وهـكـــــــــذا أستودعك وأرجو أن تتحمل ما تستدعيه الحاجة ، أنت تعرف مأموريتي ، وبعــــــــــد إذ انفجــرت دموعه وخرج .
لقـــــد نظر سقراط له وقال ((( أقابل تحياتك الطيبة وسأفعل ما طلبت ))) وبعد إذ اتجه لنا وقال ياله من رجل ساحر لطيف ، منذ أن جئت إلى هذا السجن وهو يحضــر دائماً لرؤيتي ... والآن تشاهدون كبير حزنــه عليّ ... ولكن يجب أن نفعل بما يقول .
دعهـــــــــــم يُحضرون السم يا كريتو إذا كان معـــداً ، أو دع الخادم يعمل على إعداده ... فيما بعد قال كريتو ... أن الشمس لا تزال فوق أعلى الهضاب ، والكثيرون تناولوا جرعة السم في وقت متأخر ، وبعد أن أبلغوا بحكم الإعدام أخذوا يأكلون ويشربون وينهمكـــون في مباهج شهوانيــة ، لذلك لا تتسرع إذ لا زال هناك وقت ، وقــــال سقراط ... نعـــم يا كريتو أولئك الذين تتحدث عنهـــم على حق في فعل ما فعلوه لأنهم كانوا يعتقدون باستفادتهم من الـتأخير في الشرب ، ولكنني مصيــــــــــــب في التسرع وعدم التأخير ، وأعتقد أن تأخري في شرب السم لن يجدي نفعاً ، لأنني بذلك أكون قـــــــد وفرت حياةً قــــد انتهــت ، ولا يمكنني سوى الضحك على نفسي بذلك ... لذلك أرجو أن تفعل كما أقول ولا ترفض قولي .
وعندما سمع كريتو هذا أشار إلى الخادم الذي ذهب وغاب بعض الوقت وعاد بعئذ مع السجان يحمل كأس الســــــــــــم
وقال سقراط أنت يا صديقي السجان المجرب في هذه الأمور ، هل تدلني كيف أفعل وكيف أتقدم في شرب السم !!! وأجاب الرجل : عليك أن تمشي فقط إلى أن تشعر بثقل قدميك فتستلقي وبهذا يسري السم في جسدك ... وفي الوقت ذاته قدّم الكأس إلى سقراط الذي أخذه بأسهل وألطف طريقة وبدون وجل أو تغير في لونـــه أو قسمات وجهه ناظراً إلى الرجل بملء عينيه كعادته دائماً وقــــال ...." مــا رأيك لو تقربنــا بهذا الكأس لأحد الآلهــة هل أفعل ذلك أو لا أفعل " ؟ وأجاب الرجل نحن نعــد يا سقراط فقط ما نعتقد أنه الكفاية... وقال سقراط أفهـــم ومع ذلك يجب أن أصلي إلى الآلهــة لتسهل رحلتي من هذا العالم إلى العالم الآخــر ... لذلك هل من الممكن أن تمنح لي صلاتي ...
ورفــــــــــع الكأس إلى شفتيــــه في هدوء تام وابتهـــاج ... لقد تمالك معظمنــا شعوره حتى ذلك الوقت ، ولكن عندما شاهدناه يشرب ورأيناه أيضاً ينتهــــي من شربـــه لم نعــد نقدر على تمالك شعورنا واحتمالنا ... وانهمرت دموعي على الرغم مني فغطيت وجهي وبكيــت على نفسي لمجرد تفكيري في مصيبتي لفقدي مثل هذا الصديق ...
ولم أكن أنا الأول في البكاء ، لأن كريتو الذي وجد نفسه عاجزاً عن ضبط مشاعره وكبت دموعه نهض وابتعد وتبعته وفي تلك البرهة أرسل / ابودوروس / الذي كان مستغرقاً في البكاء طيلة الوقت صـــرخةً عالية أظهرتنـــا جميعاً بمظهــر الجبن ..
لقـــد احتفظ سقراط وحده بهدوئـــه وقال ... مـــا هـــذا الصــراخ والصخـــب ؛ لقــد أبعدت النساء عن هتا كيلا أشعر بالإهانـــــــــــةفي مثل هذه الطريقة ، فقـــد سمعت ترك الرجل يموت في سلام ؛ اهدؤوا واصبـــروا ...
وعندما سمعنا ذلك خجلنا من أنفسنا وكبحنا دموعنا ... واستمـــر سقراط بالمشي هنا وهناك إلى أن بدأت ساقاه كما قال السجان تخــونه ولا تقوى على حملــه فاستلقـــى على ظهـــره ، وكان الرجل الذي قدم له السم ينظــر إلى ساقيه وقدميه ... وبعد فتــــرة جسّ قدميــه بشدة وسأله فيما إذا كان يشعر ، وأجاب سقراط بالنفي ، فجسّ ساقه واستمر يضغط على جسمه أعلى فأعلى وقال لنا ... إنه أصبح بارداً وجامداً وشعر سقراط بذلك وقال ... ستكون النهاية عندما يصل السم إلى القلب ، وبدأ البرود يصل إلى فخذيه فكشف وجهه ( لأنه كان قد غُطِيَّ وقال وكانت كلمته الأخيرة ...
((((يـــا كريتــــو أنـــا مَدين بديك إلى " اسكيبيوس" أرجوك أن لا تنسَ دفـــــــــــــع هذا الدين ))))!!
وقــال كريتـــو " سأدفــــع الدين هل هناك شيء آخــــــــر " ولم يسمع جواباً لهــذا السؤال وبعـــد دقيقـــة أو اثنتين سمعنــــأ حـــركــة وقام الخادم بتغطيتـــه وقــام كريتو بإغلاق عينيــه وفمــه ...
هكـــــــــــذا كانت صــديقنا الذي أسميه بحق " أحكـــم وأعدل وأفضل جميع الرجال الذين عرفتهــم في حياتي ....
قصــــــة الفلسفة " وِل ديورانت " مكتبة المعارف بيروت ص 15 ...17
....................................................................................................................
[center]
أول شهيد للفلسفة ( حقوق الإنسان وحــرية الأفكـــــار )
........ لقد أراد القضاة إطلاق سراحه ، بينما صوتت الجماهير الغاضبة مطالبةً إعدامه ،........ { ويل له لأنه علّم الناس فوق طاقاتهم على التعلم وهكذا حكموا عليه بشرب السم )
..وجاء أصدقاءه إلى سجنه وعرضوا عليه مهرباً سهلاً ، ........ ولكنه رفض فقد بلغ السبعين من عمره ( 399) ق.م وربما اعتقد أن الوقت قد حان ليفارق الحياة ، وأنه قـــد لا يموت بمثل هذه الطريقة المفيدة لتدعيــم مبادئـه .
لقد قال لأصدقائه الحزينين { افرحوا وقولوا أنكم توارون في التراب جسدي فقط } وعندما نطق هذه الكلمات ، قال أفلاطون في فقرات تعد من أعظم فقرات الأدب في العالم .
نهض سقراط ودخل غرفة الحمّام مع كريتو الذي طلب منّا أن ننتظر وانتظرنا نفكــر ونتحدث .. في حزننا الكبير فقد كان لنا بمثابة الأب الذي سنفقده بعد قليل ونعيش بقية حياتنا يتامــى .
لقد اقتربت ساعة غروب الشمس ، اذ مــرّ وقت طويل ونحن في الداخل ، وعندما خرج علينا جلس معنا مرةً ثانية ... لكننا لم نتحدث سوى القليل ، ودخل السجان ... ووقف بجانبه قائلاً ... إليك ياسقراط يا أنبل وألطف وأفضل من جاوا إلى هذا المكان ، سوف لا أتهــم أو أستذنب شعور الرجال الآخرين الذين يثورون ويغضبون ويسبون ويشتمون ، عندما أقدم لهم السم وأطلب منهم أن يشربوه إطاعة لأوامر السلطة ، وأنا على يقين بأنك سوف لا تغضب مني لأنني لست المذنب كما تعرف والجرم يقع على الآخــــرين ، وهـكـــــــــذا أستودعك وأرجو أن تتحمل ما تستدعيه الحاجة ، أنت تعرف مأموريتي ، وبعــــــــــد إذ انفجــرت دموعه وخرج .
لقـــــد نظر سقراط له وقال ((( أقابل تحياتك الطيبة وسأفعل ما طلبت ))) وبعد إذ اتجه لنا وقال ياله من رجل ساحر لطيف ، منذ أن جئت إلى هذا السجن وهو يحضــر دائماً لرؤيتي ... والآن تشاهدون كبير حزنــه عليّ ... ولكن يجب أن نفعل بما يقول .
دعهـــــــــــم يُحضرون السم يا كريتو إذا كان معـــداً ، أو دع الخادم يعمل على إعداده ... فيما بعد قال كريتو ... أن الشمس لا تزال فوق أعلى الهضاب ، والكثيرون تناولوا جرعة السم في وقت متأخر ، وبعد أن أبلغوا بحكم الإعدام أخذوا يأكلون ويشربون وينهمكـــون في مباهج شهوانيــة ، لذلك لا تتسرع إذ لا زال هناك وقت ، وقــــال سقراط ... نعـــم يا كريتو أولئك الذين تتحدث عنهـــم على حق في فعل ما فعلوه لأنهم كانوا يعتقدون باستفادتهم من الـتأخير في الشرب ، ولكنني مصيــــــــــــب في التسرع وعدم التأخير ، وأعتقد أن تأخري في شرب السم لن يجدي نفعاً ، لأنني بذلك أكون قـــــــد وفرت حياةً قــــد انتهــت ، ولا يمكنني سوى الضحك على نفسي بذلك ... لذلك أرجو أن تفعل كما أقول ولا ترفض قولي .
وعندما سمع كريتو هذا أشار إلى الخادم الذي ذهب وغاب بعض الوقت وعاد بعئذ مع السجان يحمل كأس الســــــــــــم
وقال سقراط أنت يا صديقي السجان المجرب في هذه الأمور ، هل تدلني كيف أفعل وكيف أتقدم في شرب السم !!! وأجاب الرجل : عليك أن تمشي فقط إلى أن تشعر بثقل قدميك فتستلقي وبهذا يسري السم في جسدك ... وفي الوقت ذاته قدّم الكأس إلى سقراط الذي أخذه بأسهل وألطف طريقة وبدون وجل أو تغير في لونـــه أو قسمات وجهه ناظراً إلى الرجل بملء عينيه كعادته دائماً وقــــال ...." مــا رأيك لو تقربنــا بهذا الكأس لأحد الآلهــة هل أفعل ذلك أو لا أفعل " ؟ وأجاب الرجل نحن نعــد يا سقراط فقط ما نعتقد أنه الكفاية... وقال سقراط أفهـــم ومع ذلك يجب أن أصلي إلى الآلهــة لتسهل رحلتي من هذا العالم إلى العالم الآخــر ... لذلك هل من الممكن أن تمنح لي صلاتي ...
ورفــــــــــع الكأس إلى شفتيــــه في هدوء تام وابتهـــاج ... لقد تمالك معظمنــا شعوره حتى ذلك الوقت ، ولكن عندما شاهدناه يشرب ورأيناه أيضاً ينتهــــي من شربـــه لم نعــد نقدر على تمالك شعورنا واحتمالنا ... وانهمرت دموعي على الرغم مني فغطيت وجهي وبكيــت على نفسي لمجرد تفكيري في مصيبتي لفقدي مثل هذا الصديق ...
ولم أكن أنا الأول في البكاء ، لأن كريتو الذي وجد نفسه عاجزاً عن ضبط مشاعره وكبت دموعه نهض وابتعد وتبعته وفي تلك البرهة أرسل / ابودوروس / الذي كان مستغرقاً في البكاء طيلة الوقت صـــرخةً عالية أظهرتنـــا جميعاً بمظهــر الجبن ..
لقـــد احتفظ سقراط وحده بهدوئـــه وقال ... مـــا هـــذا الصــراخ والصخـــب ؛ لقــد أبعدت النساء عن هتا كيلا أشعر بالإهانـــــــــــةفي مثل هذه الطريقة ، فقـــد سمعت ترك الرجل يموت في سلام ؛ اهدؤوا واصبـــروا ...
وعندما سمعنا ذلك خجلنا من أنفسنا وكبحنا دموعنا ... واستمـــر سقراط بالمشي هنا وهناك إلى أن بدأت ساقاه كما قال السجان تخــونه ولا تقوى على حملــه فاستلقـــى على ظهـــره ، وكان الرجل الذي قدم له السم ينظــر إلى ساقيه وقدميه ... وبعد فتــــرة جسّ قدميــه بشدة وسأله فيما إذا كان يشعر ، وأجاب سقراط بالنفي ، فجسّ ساقه واستمر يضغط على جسمه أعلى فأعلى وقال لنا ... إنه أصبح بارداً وجامداً وشعر سقراط بذلك وقال ... ستكون النهاية عندما يصل السم إلى القلب ، وبدأ البرود يصل إلى فخذيه فكشف وجهه ( لأنه كان قد غُطِيَّ وقال وكانت كلمته الأخيرة ...
((((يـــا كريتــــو أنـــا مَدين بديك إلى " اسكيبيوس" أرجوك أن لا تنسَ دفـــــــــــــع هذا الدين ))))!!
وقــال كريتـــو " سأدفــــع الدين هل هناك شيء آخــــــــر " ولم يسمع جواباً لهــذا السؤال وبعـــد دقيقـــة أو اثنتين سمعنــــأ حـــركــة وقام الخادم بتغطيتـــه وقــام كريتو بإغلاق عينيــه وفمــه ...
هكـــــــــــذا كانت صــديقنا الذي أسميه بحق " أحكـــم وأعدل وأفضل جميع الرجال الذين عرفتهــم في حياتي ....
قصــــــة الفلسفة " وِل ديورانت " مكتبة المعارف بيروت ص 15 ...17
....................................................................................................................
[center]