نوع من الأردية الصوفية قاومت صيحات الموضة ونافست الألبسة العصرية، تنسدل بخفة على أكتاف النساء لتضيف
للزي الشعبي الجمال والوقار، ولتبقى "شالات المرعز" رداء النساء وصناعة الريفيات اللواتي يحفظن أصولها
وفنونها.
لكنك إذا ما أردت الحصول على هذه القطعة فإنك ستقصد القرى البعيدة لأن فتيات الريف يتقنن هذه الحياكة
التي تحتاج للصبر والمهارة، فهي قطعة قد لا تتكرر عند السيدة، لذا يكون الحرص على صناعتها بدقة متناهية
وذوق جعل الزمن رفيق هذه الحياكة يفرد لها مساحات الانتشار لتكون الأكثر طلباً على اختلاف الأعمار.
فتعالوا نتعرف معاً على أسباب انتشارها رغم تطور العصر والتغيرات الكبيرة التي ارتبطت بالأزياء
واستخداماتها.
ارتبط "المرعز" بتقاليد اللباس في هذه المنطقة هذا ما حدثتنا به "جمانة رعد" من بلدة "القريا" بقولها:
«لازال "المرعز" الشال الأكثر جمالاً بالنسبة لنا نرتديه في الشتاء وهو دافئ أكثر من الجاكيتات أو الألبسة
الحديثة لأنه من الصوف الطبيعي، ورغم تطور العصر لازلنا نحافظ عليها كما نحافظ على الزي العربي لأنه يرتبط
بتقاليدنا ويضفي الجمال على زي النساء في جبل العرب، فطريقة الحياكة تتعمد التزين لتجد فيه الرسومات
العادية والنافرة التي تظهر دقة النسج ومهارة الصنع».
"نصرة شلهوب" إحدى الصبايا اللواتي أتقنن حياكة شالات "المرعز" عرفتنا على مواصفاتها وطرق الحياكة،
وقالت: «هذا الشال أخذ اسمه من صوف "المرعز" الذي خصص لها، وهو غالي الثمن لكننا في هذه المنطقة نستخدمه
منذ القدم، فالنساء كانت ترتديه لأنه صوف طبيعي يناسب الأزياء التقليدية، وهو صوف جميل للحياكة لونه
المائل للصفرة يمنح القطعة الجمال وهذا اللون بالذات يجعله مناسباً لكل الألوان وقريب جداً للون الفوطة
التي تغطي الرأس، وبالنسبة لي فقد تعلمت الحياكة منذ الصغر، وأخذت أحيك لنساء قريتي قرية "نمرة"
المجاورة لمدينة "شهبا" بعد أن تعلمت من الجارات كيف نشكل بداية القطعة وكيف أتعامل مع السنارة لتكون
الحياكة متوازنة، لأننا نحيك قطعة عبارة عن متر مربع كحد أدنى، تطوى على شكل مثلث لتغطي الأكتاف، وعندما
تكون قامة المرأة أطول وصحتها جيدة يفترض أن يكون أكبر ليقي من برد الشتاء، وبالتالي فلهذا الشال صفات
ومزايا محددة لا تختلف من سيدة لأخرى لكننا نستطيع أن نتحكم بالتصميم وهو ما نسميه النقشات، لأننا نجسد ما
يشبه النقش وهذا ما يساهم إلى حدّ كبير في رفع أسعار القطع ليتناسب مع صعوبة حياكتها والوقت الذي تحتاجه
لتظهر بالشكل الجميل والمتناسق.
وبشكل عام لا يقارن سعر الشالات بالجهد المطلوب لحياكتها، فقد يبدأ السعر من 2500 ليرة ليصل إلى أربعة أو
خمسة آلاف، وهذا حسب تصميم القطعة والنقشات وحجم القطعة، وبالنسبة لي فقد أحتاج لإنجاز الشال الواحد إلى
ما يقارب أربعة أشهر من العمل المتواصل، وفي الغالب لا نحيك القطعة دون طلب لأنها تعتمد بالدرجة الأولى على
ذوق السيدة فهي التي تختار الأشكال، وتجد عدداً من السيدات الميسورات يفضلن اقتناء أكثر من قطعة وبأشكال
مختلفة».
عدد من الفتيات والسيدات يتعلمن الحياكة للتسلية وبعضهن كمورد للرزق وهذا ما حافظ عليها من الاندثار
هذا ما أفادتنا به السيدة "سناء لمع" التي تتقن العديد من الأعمال اليدوية، ومنها حياكة "المرعز"
وقالت: «لازالت الحياكة مرغوبة في منطقتنا من قبل النساء وهناك العديد من الفتيات والسيدات يعتمدن على
موهبتهن في تأمين حاجتهن من هذه القطع فقد تعلمها البعض لملء أوقات الفراغ والجزء الأكبر استفاد من هذا
العمل لتأمين مورداً للرزق، فهذه الشالات مطلوبة، ولا يمكن للنساء الاستغناء عنها وفي الغالب كانت قرى
المحافظة البعيدة أهم منتج لها، لكنك قد لا تميز قرية عن أخرى ففي كل القرى تقريباً نساء يتقن التعامل
مع "المرعز" ويتزين به في المناسبات على الرغم من ارتفاع الأسعار، وهناك نوعين من هذه القطع نوع يخصص
للصبايا يسمى"وربية" ونوع آخر يخصص للارتداء مع الزي للسيدات الأكبر سناً، وهي القطعة التي يمكن للسيدة أن
تستخدمها في الأفراح والأتراح، وقد يختلف تصميمها بين السيدات اللواتي يرتدين الزي الديني وبين من يرتدين
الزي العربي والأزياء الأخرى».
وقد يكون المرعز الصوف المطلوب أكثر من غيره في أسواق "السويداء" وهذا ما أخبرنا به "توفيق أبو عسلي"
أحد تجار الأصواف بقوله: «لم يتغير الطلب على الأصواف لأن نساء "السويداء" يتقن الحياكة وهن يتوارثنها عن
الأمهات والجدات، لكن من خلال متجري أشعر أن صوف "المرعز" الأكثر طلباً في كافة المواسم لأنه يحتاج لوقت طويل
للإنجاز وكل النساء تطلبه، وقد قمت ببيع قطع كثيرة تلك التي تزودني بها سيدات من القرى وباستمرار نطلب
المزيد، وبشكل عام هي قطعة تحتاج للفن والذوق وهناك أيدٍ ماهرة تخرجها بجمال متميز وتطلب بها أسعار غالية
لندرتها، وما أقصده بالندرة ندرة التصميم، لذا تجد السيدات يتقصدن القرى البعيدة لطلب شكل النقشة وطريقة
التقطيع بالحياكة و"السجق" وهو الجزء الخارجي من القطعة الذي يحاك بطريقة فيها نوع من الزينة».
يزين "المرعز" خزائن النساء وتجد الأمهات يورثنها للبنات كتذكار يمنحهن الدفء، وما يثير الاهتمام حداثة
التصاميم التي تنتشر بسرعة ما يجعل هذه القطعة أكثر القطع التراثية التي ترافق تطورات العصر.