من لا يبدأ بالبسملة قبل تناول الطعام فإن إبليس سيشاركه، ولن يدعه يشبع، هذه الفكرة زرعها أبناء الجبل
منذ القديم عند أطفالهم، لأنهم يحرصون على الحمدلة في نهايته، ومن لا يبسمل ولا يحمد فكأنه لم يأكل شيئاً،
كذلك وجود أمثلة شعبية ترافق الطعام منها "إذا وضع الطعام بطل الكلام".
حول طبيعة تناول الأطعمة تحدث الأستاذ "شاهر أبو دقة" قائلاً: «عندما كنا نجلس على المائدة أو
بشكل دائرة حول سفرة الطعام، كان الأهل ينهوننا عن الكلام ونحن نأكل وكي يعززوا نهيهم هذا يزعمون أن من
يفتح فمه المملوء بالطعام يدخل إليه الذباب، لأننا لم نكن نتجرأ أن نتناول الطعام أمام الضيوف، حتى يأذن
لنا الوالد بعد انتهاء الضيوف من جهة، وأخرى لا نأكل حتى يبارك لنا الوالد أي البسملة مرددين وراءه ذلك،
الأهم أنها أصبحت عادة لدينا وعملنا على نقلها لأولادنا من بعدنا».
وعن المباركة على الطعام بين الشيخ "بهاء الدين زين الدين" بالقول:
«من آداب الطعام في جبل العرب أن الضيوف لا يبدؤون الطعام إلا إذا أذن لهم المعزّب "صاحب المنزل"، ويطلبون
منه ذلك صراحة بقولهم: "بارك يا معزب على زادك"، عندئذٍ إما أن يأذن لهم بقوله: "مفوضين"، وهذا إذن كي
يباركوا بأنفسهم، أو يبارك على زاده بنفسه، والمباركة تتضمن العبارة "بسم الله الرحمن الرحيم سبحان من قسّم
الأرزاق، ولم ينسِ من فضله أحداً"، وفي هذه العبارة مطلق القناعة بما قسم الله من أرزاق، وينبغي الإشارة إلى أن
طلب المباركة لا يتم في الولائم الكبيرة كولائم الأعراس والمناسبات الأخرى، وإنما يقتصر طلب المباركة على
الولائم الصغيرة المحصورة بنفر قليل من المدعوين، ومن عاداتهم ألا يأكل المعزب مع الضيف، والقصد من ذلك كي
يبقى مهيأ للخدمة ولتلبية الطلبات وإمداد الضيف بالمزيد من الطعام في حال نقصانه، أو الإمداد بالخبز أو
المليحية أو الكبة في حال الولائم الكبيرة. وفي الولائم الصغيرة يحاول الضيوف دعوة المعزب لمشاركتهم
الطعام قائلين: "تفضل لفضلك"، فيجيب المعزب: "انبسطوا أهلا وسهلا". وربما أصروا عليه لمشاركتهم الطعام
بقولهم: "الزاد من غير أهله مش طيب". وربما قبل المعزب دعوة الضيوف لمشاركتهم الأكل، لا بقصد الأكل وإنما
بقصد تفسيخ اللحم لهم وتوزيعه عليهم، وقد يرفض الدعوة طالباً من أحد أقربائه أن ينوب عنه في هذه المهمة
قائلاً له: "عزّب الضيوف يا فلان"».
الشيخ بهاءالدين زين الدين
أما آداب الطعام فقد أوضحها بشكل مفصل الباحث الأستاذ "فوزات رزق" عضو اتحاد الكتاب العرب بقوله: «من
آداب الطعام على المنسف أن يسد الكبار أولاً، والمقصود بالسد هو سد الفراغ حول المنسف، ويسمون الجماعة
التي تسد أولاً "الطورة الأولى"، وينبغي أن يلتزم من قاموا في الطورة الأولى بالمحافظة على جمال المنسف وعدم
تبشيعه، بأكل ما عليه من اللحم، دون أن يحسبوا حساباً للطورة الثانية، وذلك كيلا يشكلوا إحراجاً للمعزب إذا
خلا المنسف من اللحم، ومن آدابهم أيضاً ألا يسد أحدهم على الطورة الثانية إلا إذا شغر مكان أمامه مباشرة،
وربما دعا غيره إلى ذلك المحل، غير أنهم يقولون له: "ثنيتك"، أي هذا مكانك، وربما جاءت الكلمة من أنه
ثاني من يشغل هذا المحل بعد أن شغله من كان في الطورة الأولى، ومن آداب الطعام عند الجبليين ألا يذم أحدهم
الزاد الذي قدم إليه، وألا يعبر عن اشمئزازه مهما يكن السبب، وربما حصل أن عثر أحدهم على ذبابة سقطت
بالطعام مصادفة، فالواجب والأدب يحتم عليه أن يرفعها،
ويلقيها جانباً، بحيث لا يثير انتباه أحد، وأن يتابع الطعام دون تأفف، حفظاً لماء وجه صاحب البيت».
وتابع الباحث "رزق" بالحديث عن آداب الطعام بالقول: «لا ينبغي أن يسأل عن مكونات هذا الطعام أو ذاك،
فربما أثار هذا التساؤل اشمئزازاً لذلك قالوا: "الزاد إذا تفتش ما بيعود يتّاكل"، وهو مثل يضربونه أيضاً في
الدعوة لتلافي العيب وغض النظر عن بعض أخطاء الناس، ومن أقوالهم في اختلاف الأمزجة في الطعام: "كول كما
يطيب لنفسك، والبس كما يطيب للناس"، يريدون بذلك أن يسوّغوا ميل أحدهم لطعام غير مألوف كأن يأكل اللبن
مخلوطاً مع الدبس، ومن عادات الجبليين أنهم لا يأكلون إلا إذا جاعوا، متمثلين بالمأثور: "نحن قوم لا نأكل
حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع"، ولذلك فهم يرون أن "الأكل على الجوع ما في أطيب منه"، وعندهم أن الإسراف في
الطعام غير محمود "فالبطن ما بيسع أكثر من ملاتو"، "والمزاودي حرام"، والمقصود بالمزاودة الأكل بعد الشبع».
ومن الجيل المخضرم الذي عاصر الجيلين في تطبيق منظومة العادات والتقاليد الدكتور "عبدي الأطرش" الذي
تجاوز العقد السابع من عمره بيّن انعكاس تلك التقاليد على تربية المجتمع بقوله:
«أطفالنا في القديم كانوا يقفون بجانب أهلهم في القرية لتقديم أدوات الطعام من المنسف والكبشة التي يسكب
منها السمن العربي، والخبز وغيرها، ثم سكب ماء الغسيل على أيدي الضيوف، وحينما كانوا يقولون
لهم: "بفرحتك يا شب" يردون عليهم: "بحياتك يا عمي"، هذه العبارات ولدت علاقة بين الأجيال، إذ بعض الرجال
الوجهاء كانوا يتساءلون مع بعضهم أن فلان لديه شب يحمل حضوراً اجتماعياً وشخصية مميزة وسيكون له شأن في
المستقبل، يعني يحملون دون علم ودراية علم الفراسة، الأب ينقل لأفراد أسرته الأحاديث، الأمر الذي يولد عند
جيل من الشباب التنافس الشريف في تكريس تلك العادات وحمل التعابير الاجتماعية من شأنها تنمية الشخصية
المتضمنة الآداب العامة، مثل احترام الكبير في كل مناحي الحياة وعدم التقدم عليه، ولهذا قيل إن هناك طورة
أولى وثانية يعني هناك مراتب اجتماعية لها الأفضلية وكل رجل يعلم دوره وهذا جزء من تنظيم الحياة
والمجتمع».
منذ القديم عند أطفالهم، لأنهم يحرصون على الحمدلة في نهايته، ومن لا يبسمل ولا يحمد فكأنه لم يأكل شيئاً،
كذلك وجود أمثلة شعبية ترافق الطعام منها "إذا وضع الطعام بطل الكلام".
حول طبيعة تناول الأطعمة تحدث الأستاذ "شاهر أبو دقة" قائلاً: «عندما كنا نجلس على المائدة أو
بشكل دائرة حول سفرة الطعام، كان الأهل ينهوننا عن الكلام ونحن نأكل وكي يعززوا نهيهم هذا يزعمون أن من
يفتح فمه المملوء بالطعام يدخل إليه الذباب، لأننا لم نكن نتجرأ أن نتناول الطعام أمام الضيوف، حتى يأذن
لنا الوالد بعد انتهاء الضيوف من جهة، وأخرى لا نأكل حتى يبارك لنا الوالد أي البسملة مرددين وراءه ذلك،
الأهم أنها أصبحت عادة لدينا وعملنا على نقلها لأولادنا من بعدنا».
وعن المباركة على الطعام بين الشيخ "بهاء الدين زين الدين" بالقول:
«من آداب الطعام في جبل العرب أن الضيوف لا يبدؤون الطعام إلا إذا أذن لهم المعزّب "صاحب المنزل"، ويطلبون
منه ذلك صراحة بقولهم: "بارك يا معزب على زادك"، عندئذٍ إما أن يأذن لهم بقوله: "مفوضين"، وهذا إذن كي
يباركوا بأنفسهم، أو يبارك على زاده بنفسه، والمباركة تتضمن العبارة "بسم الله الرحمن الرحيم سبحان من قسّم
الأرزاق، ولم ينسِ من فضله أحداً"، وفي هذه العبارة مطلق القناعة بما قسم الله من أرزاق، وينبغي الإشارة إلى أن
طلب المباركة لا يتم في الولائم الكبيرة كولائم الأعراس والمناسبات الأخرى، وإنما يقتصر طلب المباركة على
الولائم الصغيرة المحصورة بنفر قليل من المدعوين، ومن عاداتهم ألا يأكل المعزب مع الضيف، والقصد من ذلك كي
يبقى مهيأ للخدمة ولتلبية الطلبات وإمداد الضيف بالمزيد من الطعام في حال نقصانه، أو الإمداد بالخبز أو
المليحية أو الكبة في حال الولائم الكبيرة. وفي الولائم الصغيرة يحاول الضيوف دعوة المعزب لمشاركتهم
الطعام قائلين: "تفضل لفضلك"، فيجيب المعزب: "انبسطوا أهلا وسهلا". وربما أصروا عليه لمشاركتهم الطعام
بقولهم: "الزاد من غير أهله مش طيب". وربما قبل المعزب دعوة الضيوف لمشاركتهم الأكل، لا بقصد الأكل وإنما
بقصد تفسيخ اللحم لهم وتوزيعه عليهم، وقد يرفض الدعوة طالباً من أحد أقربائه أن ينوب عنه في هذه المهمة
قائلاً له: "عزّب الضيوف يا فلان"».
الشيخ بهاءالدين زين الدين
أما آداب الطعام فقد أوضحها بشكل مفصل الباحث الأستاذ "فوزات رزق" عضو اتحاد الكتاب العرب بقوله: «من
آداب الطعام على المنسف أن يسد الكبار أولاً، والمقصود بالسد هو سد الفراغ حول المنسف، ويسمون الجماعة
التي تسد أولاً "الطورة الأولى"، وينبغي أن يلتزم من قاموا في الطورة الأولى بالمحافظة على جمال المنسف وعدم
تبشيعه، بأكل ما عليه من اللحم، دون أن يحسبوا حساباً للطورة الثانية، وذلك كيلا يشكلوا إحراجاً للمعزب إذا
خلا المنسف من اللحم، ومن آدابهم أيضاً ألا يسد أحدهم على الطورة الثانية إلا إذا شغر مكان أمامه مباشرة،
وربما دعا غيره إلى ذلك المحل، غير أنهم يقولون له: "ثنيتك"، أي هذا مكانك، وربما جاءت الكلمة من أنه
ثاني من يشغل هذا المحل بعد أن شغله من كان في الطورة الأولى، ومن آداب الطعام عند الجبليين ألا يذم أحدهم
الزاد الذي قدم إليه، وألا يعبر عن اشمئزازه مهما يكن السبب، وربما حصل أن عثر أحدهم على ذبابة سقطت
بالطعام مصادفة، فالواجب والأدب يحتم عليه أن يرفعها،
ويلقيها جانباً، بحيث لا يثير انتباه أحد، وأن يتابع الطعام دون تأفف، حفظاً لماء وجه صاحب البيت».
وتابع الباحث "رزق" بالحديث عن آداب الطعام بالقول: «لا ينبغي أن يسأل عن مكونات هذا الطعام أو ذاك،
فربما أثار هذا التساؤل اشمئزازاً لذلك قالوا: "الزاد إذا تفتش ما بيعود يتّاكل"، وهو مثل يضربونه أيضاً في
الدعوة لتلافي العيب وغض النظر عن بعض أخطاء الناس، ومن أقوالهم في اختلاف الأمزجة في الطعام: "كول كما
يطيب لنفسك، والبس كما يطيب للناس"، يريدون بذلك أن يسوّغوا ميل أحدهم لطعام غير مألوف كأن يأكل اللبن
مخلوطاً مع الدبس، ومن عادات الجبليين أنهم لا يأكلون إلا إذا جاعوا، متمثلين بالمأثور: "نحن قوم لا نأكل
حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع"، ولذلك فهم يرون أن "الأكل على الجوع ما في أطيب منه"، وعندهم أن الإسراف في
الطعام غير محمود "فالبطن ما بيسع أكثر من ملاتو"، "والمزاودي حرام"، والمقصود بالمزاودة الأكل بعد الشبع».
ومن الجيل المخضرم الذي عاصر الجيلين في تطبيق منظومة العادات والتقاليد الدكتور "عبدي الأطرش" الذي
تجاوز العقد السابع من عمره بيّن انعكاس تلك التقاليد على تربية المجتمع بقوله:
«أطفالنا في القديم كانوا يقفون بجانب أهلهم في القرية لتقديم أدوات الطعام من المنسف والكبشة التي يسكب
منها السمن العربي، والخبز وغيرها، ثم سكب ماء الغسيل على أيدي الضيوف، وحينما كانوا يقولون
لهم: "بفرحتك يا شب" يردون عليهم: "بحياتك يا عمي"، هذه العبارات ولدت علاقة بين الأجيال، إذ بعض الرجال
الوجهاء كانوا يتساءلون مع بعضهم أن فلان لديه شب يحمل حضوراً اجتماعياً وشخصية مميزة وسيكون له شأن في
المستقبل، يعني يحملون دون علم ودراية علم الفراسة، الأب ينقل لأفراد أسرته الأحاديث، الأمر الذي يولد عند
جيل من الشباب التنافس الشريف في تكريس تلك العادات وحمل التعابير الاجتماعية من شأنها تنمية الشخصية
المتضمنة الآداب العامة، مثل احترام الكبير في كل مناحي الحياة وعدم التقدم عليه، ولهذا قيل إن هناك طورة
أولى وثانية يعني هناك مراتب اجتماعية لها الأفضلية وكل رجل يعلم دوره وهذا جزء من تنظيم الحياة
والمجتمع».