الرئيسية
اختلاطات شائكة
بحسب مدير المستشفى الوطني في السويداء الدكتور عدنان مقلد فإنه قبل الشهر الرابع من العام الفائت لم يكن في
المستشفى مكتب إحصائي أو تنسيق مع الطب الشرعي، كما لا يوجد تشريح للجثث بعد موتها في حال الشك بسبب الوفاة،
فيعتبر الأمر قضاء وقدر، كون غالبية أهالي المتوفين يرفضون تشريح جثثهم حتى مع الشك بمسببات الوفاة، علماً أن أجرة
الطبيب الشرعي لا تتعدى 125 ليرة سورية لكل جثة، على عكس الدول المتقدمة التي تهتم بتشريح معظم الجثث، لاسيما في
حالات القتل والانتحار وحوادث السير وبمقابل مادي موازي لجهد الأطباء.
وقد يختلط على البعض انتحار شخص من قتله عمداً، كما في حالة إحدى النساء المتزوجات بحسب خبرة الطبيب الذي كشف على
الجثة في البداية ليوضح أنها مقتولة، الأمر الذي تبين لاحقاً نتيجة طمع زوجها وأولاده في ورثة ما أو لقية وجدوها،
أرادوا شراء صمتها فقتلوها خنقاً ثم وضعوها في خزان مياه مساحة قطره صغيرة لا يغطي الماء سوء جزء صغير منه مما أثار
الشبهات حول موتها.
وهي دعوى ما زالت منظورة في القضاء لاسيما بعد تشكيل لجنة خبرة أولى وثانية والتي توصلت بناء على صور الأمن الجنائي
للمتوفاة إلى نتائج تثبت انتحارها وليس قتلها لعدم احتواء جسدها على جروح أو كدمات حسب الطبيب الشرعي، حيث يكفي
غمر الأنف والفم في الماء لحدوث الغرق إلا أنه وعلى الرغم من ذلك بقي سؤال شائك يحير الأطباء والقضاة، فهل ما حدث هو
غرق أم إغراق؟ علماً أنه لم يتم اللجوء إلى تشريح الجثة وبالتالي التأكد من سبب الوفاة، على عكس حادثة أخرى أنكر
الأهل فيها انتحار ابنهم وادعوا وجود جريمة قتل خوفاً من العار الاجتماعي متجاهلين الأدلة الواضحة بيد الطبيب الشرعي
والتي تشير بقوة إلى أن المتوفى أقدم على قتل نفسه.
قصص انتحارية 2010
هناك ضعف في إحصاء نسب الانتحار في السويداء خصوصاً وسورية عموماً فقد بلغ عدد المنتحرين العام الماضي في السويداء
حسب تقارير الطب الشرعي في المحافظة 13حالة، بدأت في 4 كانون الثاني لسيدة في الثلاثينات من عمرها تعاني من حالة
نفسية سيئة، حيث تم توقيف "ث – س" في قضاء ناحية شهبا بتهمة الزنا من قبل الزوج -افتراء حسب قول الأهل– الذين
شعروا بعد 4 أشهر على توقيفها بوضعها الصحي السيء، بقيت فاقدة الوعي في المستشفى الوطني حتى تاريخ وفاتها إثر
التسمم بمبيد حشري، وتبع هذه الحالة انتحار بالسقوط من شاهق لشاب يعمل مدرساً ولديه سوابق مرض نفسي واكتئاب منذ 5
سنوات، حيث كتب الشاب م-خ قبل انتحاره رسالة تفيد بأنه أقدم على الانتحار ويطلب السماح من والدته، وبحسب طبيبه
زياد عدوان فإنه يعاني من اضطراب مزاج ثنائي القطب منذ عام 2005، حيث عرضه أهله على الطبيب لمرة واحدة فقط لرفضه
العلاج، كما يعاني من وضع عائلي غير مستقر وشعور بالظلم لا يكفي على حد تقدير عدوان لانتحاره فهناك استعدادات شخصية
ونفسية واضحة لدى المنتحرين.
ومن الحالات التي أنكرت من قبل الأهل على أنها انتحار "ط –ع" في عقده الخامس، حيث شوهد الرجل ممدداً على ظهره بجانب
سيارته وفي أرضه الزراعية حاضناً بارودة صيد، وبلغ عدم تقبل الأهل لانتحار ابنهم أن اتهموا بعض الأشخاص بقتله، تم
توقيفهم لفترة لعدم وجود أية أدلة تدينهم، ومازالت حتى تاريخه ردات فعل أقارب الرجل عنيفة ضد كل من يقول انه
انتحر.
وبطريقة الشنق علق الشاب "أ – ب" 20 سنة، نهاية حياته بعد سنتين على تلقيه العلاج النفسي، حيث أوضح طبيبه عدوان
أنه تعرض أثناء دراسته في اللاذقية إلى خلاف مع أشخاص قبل عام من انتحاره مظهراً عدوانيةً شديدة نتيجة مركب عدواني
شديد لديه يسبب له سلوك غير لائق وصدام مع المجتمع والقانون.
وفي 11 تشرين الثاني وجد "ر-ع"24 سنة، في قبو منزله مشنوقاً بوضعية تعليق جزئي، أنكر الأهل وجود مرض نفسي، ثم
اعترفوا بعد ذلك وبحسب طبيبه فالشاب يعمل طباخاً في لبنان حاول مرتين الانتحار بحقن المازوت في وريده، وهو يعاني من
اضطراب مزاج ثنائي القطب، حيث لم يتلق العلاج الكامل لذا حاول الانتحار أكثر من مرة وعلى حد قول المريض قبل وفاته
لم يكن أهله يراعوا وضعه وسئموا من حالته النفسية.
ثم في 25 تشرين الثاني وجد "ن- ح" 48 سنة، معلقاً في غرفة مستودع جانب منزله، لديه مرض نفسي مع اكتئاب، وهو متزوج
ولديه أولاد و يعاني الفقر.
إضافة لطفل يعتقد أنه توفي بالخطأ في تشرين الثاني كان حادثه مروعاً إثر تجريبه لحبل في الحمام فالطفل يتمتع بذكاء
حاد ومن الأوائل في دراسته.
والطفل "س – ن" 13 ربيعاً، ليس لديه أية مشاكل نفسية على حد قول والدته ومتطلباته على الرغم من ضعف الحالة المادية
فإن والديه يعملان على تلبيتها وهو الأصغر بين أخوته ولديه أصدقاء متوسط المستوى الدراسي، وهو على حد تعبير والدته
روحاني ويكره معصية كلام أهله أمضى يومه الأخير بشكل طبيعي دون أية بوادر ظاهرة للانتحار، انتحر شنقاً في غرفة المونة
في 27 تشرين الثاني، وكان آخر سلسلة الانتحارات في 28 كانون الأول لـ"ه- ح"61 سنة، بسبب مرضه الجسدي الطارئ، حيث
أطلق النار ببارودة صيد على وجهه بطريقة عنيفة جداً على الرغم من يسر حالته المادية.
الانتحار نفسياً
هو أحد أشكال العدوان المنقلب على الذات بأسباب هي في ثلثيها ناجمة عن الاكتئاب، وبحسب الدكتور زياد عدوان فإن
الاكتئاب بأنواعه من بينها اضطراب المزاج الدوري هي أمراض نفسية قد تنتقل بالوراثة وتزيد في المجتمعات المغلقة وفي
حالات زواج الأقارب، مؤكداً فعالية مضادات الاكتئاب بعد اكتشافها في بريطانيا بتخفيف نسب الانتحار، كما يوجد ما يسمى
الشخصية الانتحارية والأفكار الانتحارية والتهديد بالانتحار ويبلغ الاكتئاب ذروته في ساعات الصباح عند الاستيقاظ.
ورغم أن العلاج النفسي بدأ في السويداء في أواخر التسعينات لا يوجد أي طبيب أخصائي نفسي إنما يقتصر الوضع على
أخصائيين عصبيين، وعن الاهتمام بالطب النفسي ووجود وعي بين الناس وقدرة على فصل الأمراض النفسية عن العقلية يضيف
الدكتور عدوان أن النظرة للطب النفسي بدأت تتحسن في المحافظة، لكن وعلى الرغم من أن التربية أولت اهتماماً من خلال
وضع مرشدين ومرشدات نفسيين في المدارس إلا أن بعضهم بحاجة إلى إرشاد ووعي نفسي، ومازال المجتمع بحاجة إلى مزيد من
الإيمان بقدرة الطب النفسي لاسيما أن هناك أسباب سخيفة قد تدفع للانتحار.
أما نسبة الأمراض النفسية بين مناطق المحافظة فقد أكد عدوان أن بعض قرى المحافظة تنتشر فيها أمراض نفسية معينة
كاضطراب المزاج ثنائي القطب وضمن أفراد عائلات محددة أكثر من غيرها، وبالتالي لديهم قابلية انتحار أكثر من غيرهم
مع ازدياد الضغوط الاجتماعية والمادية والشخصية، كما يختلف شكل الاكتئاب بين الريف والمدينة، ويكثر الانتحار بين
عمري 18 و40 سنة.
ومن أعراض اضطراب مزاج ثنائي القطب التناوب بين حالتي اكتئاب شديد ومحاسبة النفس بأخطاء ارتكبتها حتى لو كانت
بسيطة أو قديمة، وبين نوبات هوس وفرح دون وجود أسباب واضحة فهو المرض النفسي الوحيد المثبت على أنه وراثي وخطورته
تأتي من كونه لا يعالج كلياً.
كما ترتفع محاولات الانتحار وبنسب نجاح أكبر بعد المحاولة الأولى في حال النجاة، بينما تقل نسب الانتحار بين الأشخاص
الذين لديهم أولاد، وكذلك الأمر بالنسبة للعلاج الذي يرتبط على حد قول الدكتورعدوان بمدى الالتزام، فليس كل المرضى
النفسيين يخضعون للعلاج وليس كل الخاضعين للعلاج يستمرون في أخذ الدواء، لاسيما مع التشويش الذي يتلقاه المرضى أثناء
العلاج من قبل الصيادلة أو أنصاف المتعلمين أو المحيط الذي يربط بين الدواء النفسي والمخدرات من حيث الإدمان عليه،
وينظرون إلى المرض النفسي بشكل معيب، أما عن حالات الانتحار التي تشهدها الساحات العربية حالياً كالحرق مثلاً فهي
تعتبر على حد وصف عدوان من النوع الإيديولوجي، حيث يختلف المعنى عن الانتحار التقليدي، حيث أن المنتحر هنا لديه
استعداد وفكر مهيأ لانتحاره غالبا ما يفقده حياته.
