مَن منا لا يعشق زقزقة عصافير الحب.. مَن منا لم تدهشه قدرة هذا الطائر الصغير على ابتداع أجمل الألحان، والانتقال من لحن إلى آخر وكأنه موسيقار متمكن؟! باحثون كنديون وألمان بحثوا عن السر وراء هذا الابداع.. وراحوا يتساءلون عن السبب الذي يجعل هذا الطائر الساحر يغير موسيقى ألحانه وكأنه فراشة تتنقل بين الزهور لتختار منها الأفضل.
عصفور الحب يغني ليستميل أنثاه.. لكن ما سر ذلك التنوع في موسيقى الزقزقة؟ انه نوع من الاغراء.. أو كما يقول الباحث ديفيد لوغ من جامعة ليثبريدج الكندية، فهذا الطائر الجميل يتصرف مع الأنثى، تماما مثل تصرف شركات الهاتف النقال مع الزبائن.. طائر الحب يغني لأنثاه ما يعتقد أنه كفيل باقناعها.. فاذا لم يؤد الغناء غايته، فسرعان ما يبدل اللحن بآخر، وهكذا.
وتبدو الأمور أكثر وضوحا عندما يتواجد عدد من الذكور في مكان واحد.. والكل يريد اغراء الأنثى التي من المؤكد أنها تريد أن تختار الأفضل، طالما أن هناك أكثر من عرض.. الفرصة مواتية للاختيار اذاً.
يقول الباحث الكندي المتخصص في سلوك الطيور، تبدأ الذكور في عرض مهاراتها.. كل منها يقدم أفضل ما لديه لاغراء الأنثى، التي تصبح مثل الزبون الذي يريد شراء تلفون نقال وما عليه الا أن يختار بين العروض الكثيرة أمامه.. يحتار قليلا قبل اتخاذ القرار ثم يندفع نحو الشركة التي وقع عليها اختياره.. وهكذا الحال بالنسبة لطيور الحب أيضا. لكن ماذا يحدث عندما تطول حيرة الأنثى ويصعب عليها اتخاذ القرار؟
في هذه الحالة، كما يقول الباحث الألماني وولفغانغ فورستماير من معهد ماكس بلانك لعلوم الطيور، يلجأ الذكر الى الخداع عن طريق زقزقة "أي شيء".. أي لحن يجد طريقه الى حنجرته.. لا يعود يهمه ارضاء الأنثى بقدر ما يهمه ابعادها عن غريمه وعدوه اللدود.. وفي النهاية ستتخذ قراره.. وربما تتخذ القرار الخطأ فتختار المخادع والغشاش. حال الأنثى هنا لا تختلف عن حال شركات الهاتف النقال.. فالأولى تبحث عن العرض الأفضل..
أما الثانية فتبحث عن تصريف بضاعتها بغض النظر عما اذا كان الزبون قد حصل على ما يريد بالفعل أو لا. وهذا ما يدفع الذكر الى تقليد الطيور الأكبر منه، وبالتالي محاولة ابتداع ألحان جديدة.. بالاضافة الى الزقزقة كوسيلة لاغراء الأنثى، يمارس طير الحب الذكر الرقص حول الأنثى لاستمالتها وابعاد الآخرين عنها.. يستعرض عضلاته أمامها عن طريق "نفش" ريشه الملون.. يحاول أن يقدم كل ما لديه.. حتى ولو بالغش والخداع، من اجل كسب ودها.. والسؤال الآن : من يقلد الآخر في هذا المجال.. الانسان، أم عصافير الحب ؟