من الأقول المأثورة للتعبير فيها عن شخصية الكريم في جبل العرب قول: "فلان البلكوم هلّي بحلقو مش إلو"، و"هذا كرمو كرم جاه"، و"مية كلمة أهلا وسهلا ما بتغني عن مد إيدك وغسل"، وكذلك "جيرة الله عن التوفير، ميسور مش واجب"، ألفاظ ينطق بها أثناء تقديم الكرمة أو الوليمة.
الشيخ "جدعان الخطيب" من قرية "شعف" هو أحد الذين ورثوا أصول الكرم، قال لموقع eSwueda: «ما إن يصل الضيف إلى المضافة حتى كان والدي يصرخ بنا "عليكم بالفرس يا ولاد"، وعلى الفور نأخذ لجام الفرس ونربطها في الاسطبل ونقدم لها العلف، ثم نذهب إلى المضافة نسمع صوت الوالد وهو يرحب بالضيف قائلاً: "الله والنبي محييكم من ساعة مشيتوا لساعة لفيتو"، وعند تقديم المناسف للضيف، يقف ويردد: "يا غانمين ترى ميسور ما هو واجب واجبكم أكبر من هيك بكثير"، يسكب السمن العربي على طبيخ البرغل، ثم يبتعد خطوتين إلى الوراء ويردد ثانية "لا تواخذوا معازيبكم، جيرة الله عن التوفير، الله والنبي محييكم"، وكنا نقف بجوار والدي، فإذا احتاج الضيوف منا شيئاً نكون في خدمتهم».
وعن ارتباط الزاد "الطعام" بمسألة الكرم، أوضح الباحث التراثي "فوزات رزق" قائلاً: «إن أبرز مظاهر الكرم هو تقديم الزاد للضيوف والجائعين، ومن عباراتهم في توصيف الكريم قولهم: "فلان البلكوم هلّي بحلقو (أي الذي في فمه) مش إلو"، ويعنون بذلك اللقمة، هم يعتبرون أن الكرم الحقيقي ما كان لجميع الناس دون تفريق بين رفيع ووضيع، وينددون بذلك الذي قدم زاده بشيء من البذخ والإسراف لا لشيء إلا ليمتدح الناس كرمه، أو لأن ضيفه على درجة كبيرة من الوجاهة، وينعتون هذه الحالة الكرم جاه بقولهم: "هذا كرم جاه"، أي إنه من أجل السمعة والوجاهة فقط، ولا يكفي أن يرحب المرء بضيوفه، مع أن الترحيب واجب، ولكن يجب أن يقترن الترحيب بالمبادرة إلى تقديم الطعام، فهناك مقولات منها "مية كلمة أهلا وسهلا ما بتغني عن مد إيدك وغسل"، وهي كناية عن أن الطعام جاهز، فقد كانت العادة المتبعة أن يوضع الطعام، ثم يدخل المعزب أو أحد أبنائه حاملاً إبريقاً مملوءاً بالماء، وطشطاً ومنشفةً، ويتقدم من الضيوف واحداً واحداً مبتدئاً بالأكبر أو الأوجه، فيمد الرجل يده اليمنى التي سيتناول الطعام بها، ويغسلها وينشفها، بعد
الباحث فوزات رزق
أن ينتهي الرجال من الغسل يدعوهم المعزّب إلى الطعام بقوله: "تفضّلوا، لا تواخذونا، ميسور مش واجب"، على أن الترحيب بالضيف مسألة أساسية في العرف الجبلي».
وعن تفاصيل العادة تابع الأستاذ "رزق" بالقول: «ربما يتمثل قول الشاعر: "أضاحك ضيفي قبل انزال رحله"، ولذلك يحثون على ملاقاة الضيف بالترحاب فيقولون: "لاقيني ولا تْطعْميني"، وكي يشجع المعزب ضيفه على الأكل يستخدم بعض عبارات المجاملة التي تتضمن التحريض على الأكل حتى الشبع ومن هذه العبارات "جيرة الله عن التوفير، ترى والله ما في وراهن داعي" أي هذا الطعام لكم أنتم، وليس هناك من ينتظر ليتناول من هذا الطعام، ومن عباراتهم في حثّ الضيوف على الأكل حتى الشبع "ترى العزيمة بعد الشبع مش مليحة"، فبعد أن يعلن الضيف كفايته وشبعه لن يعود إلى الطعام مرة ثانية مهما دعوته، ويغرون الضيف لأكل المزيد بقولهم: "الأكل على قدر المحبة" وينبهون إلى أن الذي يقوم عن الطعام قبل أن يشبع يعد جباناً، ولا يستحسن أن يقوم المرء عن المائدة جائعاً ليكمل أكله على مائدة أخرى لأن "البطن ما بيحمل جميلتين"، والمقصود بالجميل، المعروف، ويحرصون على أن يظهروا كرماء حتى لو أجبروا على الكرم إجباراً ومن أقوالهم في ذلك: "إذا راح زادك رحب فيه"، وهذا مثل يضرب في حال بوغت أحدهم بموقف أجبره على تقديم الطعام بغير إرادته، ويحرصون على أن يتناول الضيف كمية وافية من الطعام، من مبدأ "إذا طعميت شبيع وإذا ضربت وجيع"، كما يتمنون أن يشاركهم الآخرون طعامهم، فإذا وضعوا الطعام قالوا: "الله يجيبك يا صاحب النصيب"، وكأنهم يرددون قول "عروة بن الورد" مخاطباً ماوية زوجته:
إذا ما طبختِ الزاد فالتمسي له / أكولاً فإني لست آكله وحدي».
وعن الحالات التي تواجه صاحب الوليمة بين الباحث "فوزات رزق" بالقول: «قد يصادف حضور أحد الأصدقاء أو المعارف أثناء تناول الطعام فيدعونه قائلين : "الخير والشر بالموالاة"، تفضل، نصيبك جابك"،
عدنان علم الدين
وربما قالوا مازحين :"نصيب ولا ترتيب" أي هل حضرت مصادفة أم رتبت الأمر بحيث تصل أثناء الطعام، ومن عباراتهم إذا صادف وصول الرجل في بدء الطعام : "تفضل حماتك رغبانة"، أو "حماتك بتحبك"، أما إذا وصل في نهاية الطعام فيقولون له في صيغة الاعتذار: "حماتك زهدانة"، ويعتبر الجبليون أن الطعام مهما قل فإنه كفيل بسدّ رمق العديد من الناس وفي ذلك يقولون: "زادٍ يقري واحد يقري مية" إذا بوغت بعدد كبير من الضيوف دون أن يحضّر لهم الطعام الكافي».
وفي دفع للإحراج الذي قد يشعر به صاحب العزيمة معتذراً من ضيفه بمجاملة اجتماعية، أو عدم دعوته للوليمة بين الأستاذ "عدنان علم الدين" المهتم بالتراث وعضو مجلس إدارة جمعية الأدب الشعبي وأصدقاء التراث بالقول: «وفي حال قصّر أحدهم في دعوة أحد أصدقائه إلى وليمة أعدّها، فيعاتبه صديقه قائلاً : "مش قيمتك يا بطني، قيمتك يا قدري"، أي أن العتب ليس بسبب ما فاته من الطعام الذي هو حشو بطن، لكنه التجاهل الذي يعني عدم تقدير الصديق حق قدره، وهناك الاعتراف بالفضل، فإذا دعا أحدهم صديقاً لحضور وليمة أجاب المدعو: "معوّدين ع الفضال"، أي أننا معتادون على زيارتكم وتناول الطعام عندكم، فيجيب الداعي: "استافرا لله"، أي استغفر الله، وذلك إمعاناً في التواضع، وربما أضاف: "إنت صاحب الفضل"، ومن الكناية الجميلة في هذا المجال، "مش مكسرين عتابنا"، والعتاب جمع عتبة والمقصود أنكم لم تكسّروا عتبات بيوتنا بزياراتكم المتكررة ، وفي مجال الاعتراف بالفضل يقول الرجل لمن أفضل عليه: "اللي متعوّد على خبزاتكن وين ما شافكن بيجوع"، والقناعة في الطعام رأس مال الإنسان العربي فعليه أن يرضى بما قسم الله له من طعام، والقناعة مرتبطة بالتفاؤل فالله لم يخلق خلقة دون أن يتدبر أمر رزقها، ولذلك قالوا: "من هكل هم غداه لعشاه من قلة يقينه بمولاه" وهَكَلَ الهمَّ حمله بتعبير أنه غير مؤمن بأن الله يرزق الجميع».
ماجد رضوان
وعن مرافقة الأمثال للطعام بين الشاعر الشعبي "ماجد رضوان" بالقول: «إن الأمثال التي ترافق الطعام هي تعبير عن حرص المعزب أو المضيف تقديم الواجب لضيفه وجعله يشعر بالراحة لتناول طعامه بهدوء وراحة، لأن العرب قديماً كانوا يتناولون الطعام بسرعة حيث كرسوا مقولة "غب غب جمال وقوم قبل الرجال"، ولهذا فقد عمد الرجال في المضافات إلى توطيد العلاقات الاجتماعية بين المجتمعات من خلال تبادل الطعام على حد قولهم "صار بيننا خبز وملح" وبالتالي لا يمكن خيانة بعضهم بعض، والضيف له الكرامة والرفعة أينما حل، وبالتالي لا بد من إيجاد عبارات تجعله يعيش في راحة واطمئنان بالأيام التي يقضيها في جبل العرب».
الشيخ "جدعان الخطيب" من قرية "شعف" هو أحد الذين ورثوا أصول الكرم، قال لموقع eSwueda: «ما إن يصل الضيف إلى المضافة حتى كان والدي يصرخ بنا "عليكم بالفرس يا ولاد"، وعلى الفور نأخذ لجام الفرس ونربطها في الاسطبل ونقدم لها العلف، ثم نذهب إلى المضافة نسمع صوت الوالد وهو يرحب بالضيف قائلاً: "الله والنبي محييكم من ساعة مشيتوا لساعة لفيتو"، وعند تقديم المناسف للضيف، يقف ويردد: "يا غانمين ترى ميسور ما هو واجب واجبكم أكبر من هيك بكثير"، يسكب السمن العربي على طبيخ البرغل، ثم يبتعد خطوتين إلى الوراء ويردد ثانية "لا تواخذوا معازيبكم، جيرة الله عن التوفير، الله والنبي محييكم"، وكنا نقف بجوار والدي، فإذا احتاج الضيوف منا شيئاً نكون في خدمتهم».
وعن ارتباط الزاد "الطعام" بمسألة الكرم، أوضح الباحث التراثي "فوزات رزق" قائلاً: «إن أبرز مظاهر الكرم هو تقديم الزاد للضيوف والجائعين، ومن عباراتهم في توصيف الكريم قولهم: "فلان البلكوم هلّي بحلقو (أي الذي في فمه) مش إلو"، ويعنون بذلك اللقمة، هم يعتبرون أن الكرم الحقيقي ما كان لجميع الناس دون تفريق بين رفيع ووضيع، وينددون بذلك الذي قدم زاده بشيء من البذخ والإسراف لا لشيء إلا ليمتدح الناس كرمه، أو لأن ضيفه على درجة كبيرة من الوجاهة، وينعتون هذه الحالة الكرم جاه بقولهم: "هذا كرم جاه"، أي إنه من أجل السمعة والوجاهة فقط، ولا يكفي أن يرحب المرء بضيوفه، مع أن الترحيب واجب، ولكن يجب أن يقترن الترحيب بالمبادرة إلى تقديم الطعام، فهناك مقولات منها "مية كلمة أهلا وسهلا ما بتغني عن مد إيدك وغسل"، وهي كناية عن أن الطعام جاهز، فقد كانت العادة المتبعة أن يوضع الطعام، ثم يدخل المعزب أو أحد أبنائه حاملاً إبريقاً مملوءاً بالماء، وطشطاً ومنشفةً، ويتقدم من الضيوف واحداً واحداً مبتدئاً بالأكبر أو الأوجه، فيمد الرجل يده اليمنى التي سيتناول الطعام بها، ويغسلها وينشفها، بعد
الباحث فوزات رزق
أن ينتهي الرجال من الغسل يدعوهم المعزّب إلى الطعام بقوله: "تفضّلوا، لا تواخذونا، ميسور مش واجب"، على أن الترحيب بالضيف مسألة أساسية في العرف الجبلي».
وعن تفاصيل العادة تابع الأستاذ "رزق" بالقول: «ربما يتمثل قول الشاعر: "أضاحك ضيفي قبل انزال رحله"، ولذلك يحثون على ملاقاة الضيف بالترحاب فيقولون: "لاقيني ولا تْطعْميني"، وكي يشجع المعزب ضيفه على الأكل يستخدم بعض عبارات المجاملة التي تتضمن التحريض على الأكل حتى الشبع ومن هذه العبارات "جيرة الله عن التوفير، ترى والله ما في وراهن داعي" أي هذا الطعام لكم أنتم، وليس هناك من ينتظر ليتناول من هذا الطعام، ومن عباراتهم في حثّ الضيوف على الأكل حتى الشبع "ترى العزيمة بعد الشبع مش مليحة"، فبعد أن يعلن الضيف كفايته وشبعه لن يعود إلى الطعام مرة ثانية مهما دعوته، ويغرون الضيف لأكل المزيد بقولهم: "الأكل على قدر المحبة" وينبهون إلى أن الذي يقوم عن الطعام قبل أن يشبع يعد جباناً، ولا يستحسن أن يقوم المرء عن المائدة جائعاً ليكمل أكله على مائدة أخرى لأن "البطن ما بيحمل جميلتين"، والمقصود بالجميل، المعروف، ويحرصون على أن يظهروا كرماء حتى لو أجبروا على الكرم إجباراً ومن أقوالهم في ذلك: "إذا راح زادك رحب فيه"، وهذا مثل يضرب في حال بوغت أحدهم بموقف أجبره على تقديم الطعام بغير إرادته، ويحرصون على أن يتناول الضيف كمية وافية من الطعام، من مبدأ "إذا طعميت شبيع وإذا ضربت وجيع"، كما يتمنون أن يشاركهم الآخرون طعامهم، فإذا وضعوا الطعام قالوا: "الله يجيبك يا صاحب النصيب"، وكأنهم يرددون قول "عروة بن الورد" مخاطباً ماوية زوجته:
إذا ما طبختِ الزاد فالتمسي له / أكولاً فإني لست آكله وحدي».
وعن الحالات التي تواجه صاحب الوليمة بين الباحث "فوزات رزق" بالقول: «قد يصادف حضور أحد الأصدقاء أو المعارف أثناء تناول الطعام فيدعونه قائلين : "الخير والشر بالموالاة"، تفضل، نصيبك جابك"،
عدنان علم الدين
وربما قالوا مازحين :"نصيب ولا ترتيب" أي هل حضرت مصادفة أم رتبت الأمر بحيث تصل أثناء الطعام، ومن عباراتهم إذا صادف وصول الرجل في بدء الطعام : "تفضل حماتك رغبانة"، أو "حماتك بتحبك"، أما إذا وصل في نهاية الطعام فيقولون له في صيغة الاعتذار: "حماتك زهدانة"، ويعتبر الجبليون أن الطعام مهما قل فإنه كفيل بسدّ رمق العديد من الناس وفي ذلك يقولون: "زادٍ يقري واحد يقري مية" إذا بوغت بعدد كبير من الضيوف دون أن يحضّر لهم الطعام الكافي».
وفي دفع للإحراج الذي قد يشعر به صاحب العزيمة معتذراً من ضيفه بمجاملة اجتماعية، أو عدم دعوته للوليمة بين الأستاذ "عدنان علم الدين" المهتم بالتراث وعضو مجلس إدارة جمعية الأدب الشعبي وأصدقاء التراث بالقول: «وفي حال قصّر أحدهم في دعوة أحد أصدقائه إلى وليمة أعدّها، فيعاتبه صديقه قائلاً : "مش قيمتك يا بطني، قيمتك يا قدري"، أي أن العتب ليس بسبب ما فاته من الطعام الذي هو حشو بطن، لكنه التجاهل الذي يعني عدم تقدير الصديق حق قدره، وهناك الاعتراف بالفضل، فإذا دعا أحدهم صديقاً لحضور وليمة أجاب المدعو: "معوّدين ع الفضال"، أي أننا معتادون على زيارتكم وتناول الطعام عندكم، فيجيب الداعي: "استافرا لله"، أي استغفر الله، وذلك إمعاناً في التواضع، وربما أضاف: "إنت صاحب الفضل"، ومن الكناية الجميلة في هذا المجال، "مش مكسرين عتابنا"، والعتاب جمع عتبة والمقصود أنكم لم تكسّروا عتبات بيوتنا بزياراتكم المتكررة ، وفي مجال الاعتراف بالفضل يقول الرجل لمن أفضل عليه: "اللي متعوّد على خبزاتكن وين ما شافكن بيجوع"، والقناعة في الطعام رأس مال الإنسان العربي فعليه أن يرضى بما قسم الله له من طعام، والقناعة مرتبطة بالتفاؤل فالله لم يخلق خلقة دون أن يتدبر أمر رزقها، ولذلك قالوا: "من هكل هم غداه لعشاه من قلة يقينه بمولاه" وهَكَلَ الهمَّ حمله بتعبير أنه غير مؤمن بأن الله يرزق الجميع».
ماجد رضوان
وعن مرافقة الأمثال للطعام بين الشاعر الشعبي "ماجد رضوان" بالقول: «إن الأمثال التي ترافق الطعام هي تعبير عن حرص المعزب أو المضيف تقديم الواجب لضيفه وجعله يشعر بالراحة لتناول طعامه بهدوء وراحة، لأن العرب قديماً كانوا يتناولون الطعام بسرعة حيث كرسوا مقولة "غب غب جمال وقوم قبل الرجال"، ولهذا فقد عمد الرجال في المضافات إلى توطيد العلاقات الاجتماعية بين المجتمعات من خلال تبادل الطعام على حد قولهم "صار بيننا خبز وملح" وبالتالي لا يمكن خيانة بعضهم بعض، والضيف له الكرامة والرفعة أينما حل، وبالتالي لا بد من إيجاد عبارات تجعله يعيش في راحة واطمئنان بالأيام التي يقضيها في جبل العرب».