أبرز التجارب الدوليةوالعربية في اصلاح الادارة العامة
عبد الرحمن تيشوري
شهادة عليا بالادارة
يركز هذا الجزء من الدراسة على عرض موجز لبعض التجارب الدولية في الإصلاح الإداري التي تستهدف تطوير وتحسين الأداء والإنتاجية في أجهزة القطاع العام . ويشمل العرض تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في ميدان تنظيم الجهاز التنفيذي ، وميدان مراجعة أداء الأجهزة التنفيذية . كما يشمل العرض ( بإيجاز ) تجربة كندا ونيوزيلندا وأستراليا وبريطانيا وأيضاً الصين واليابان ومصر وتونس .
أولاً : تجربة الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية
تتكون هذه التجربة من شقين : الشق الأول يتعلق بتجربة تنظيم الجهاز التنفيذي ، والشق الثاني يتعلق بمراجعة أداء الأجهزة التنفيذية في الحكومة الفيدرالية الأمريكية كما سيتم إيضاحه .
1- التجربة الأمريكية في ميدان تنظيم الجهاز التنفيذي
انصب هذا الجهد على تنظيم الجهاز التنفيذي للحكومة الأمريكية الفيدرالية ، وتم بمعرفة ما سمي بـ " لجنة هوفر الأولى (1947-1949م) ". وكان هدف التنظيم دراسة طرق وأساليب الأداء في الأجهزة التنفيذية الفيدرالية ، بهدف الوصول إلى تحسين أدائها وترشيد أوجه مصروفاتها . وتبني هذا التوجه التنظيمي مدخل الإصلاح الشامل للأجهزة التنفيذية . كما تم التركيز في الدراسة على الجوانب الخمسة التالية :
- التوازن بين الصلاحيات والمسئوليات .
- أدوات الإدارة مثل : المالية ، الوظائف والموظفين ، الخدمات العامة ، نظام حفظ الوثائق والتقارير العامة .
- التداخل والازدواجية في الأجهزة العامة .
- اللامركزية في التنفيذ تحت مظلة إشراف مركزي .
- إعادة تنظيم الأجهزة التنفيذية .
واتبع في أسلوب الدراسة الاعتماد على فرق العمل المتخصصة والمتنوعة من جهات متفرقة ذات علاقة . وقامت الفرق المتخصصة بتقديم تقاريرها للجنة الرئيسية التي تقود هذه الفرق . وتم التوصل إلى (273) توصية شملت الجوانب الخمسة للدراسة التي سبق بيانها . ومن أهم النتائج والتوصيات التي أفرزتها الدراسة ما يلي :
- هناك عدم توازن بين مسئوليات الرؤساء في الأجهزة وبين الصلاحيات المعطاة لهم ، بما يحول دون تحقيق الأهداف المرسومة ، لذلك تمت التوصية بمنح صلاحيات كافية للمسئولين في الأجهزة التنفيذية في مجالات إعادة التنظيم ، وفي التعامل مع الموظفين ، والنواحي المالية .
- هناك قصور في أسلوب إعداد الميزانية ، والرقابة المحاسبية ، وإجراءات تحديد الاعتمادات المالية وإجراءات الإيرادات ، والتكاليف التشغيلية ، والإعانات في الميزانية .
وتمت التوصية بتبني ميزانية الأداء ، وتبسيط إجراءات مناقشة الاعتمادات المالية ، ووضع نظام متكامل وفاعل لإعداد ميزانيات الأجهزة التنفيذية ، بما يسهم في تخفيض تكاليف الرقابة على التنفيذ .
- هناك مركزية مخلة في التوظيف ، ونقص في حصول الأجهزة العامة على الكفاءات العالية اللازمة لها وهناك نقص في تصنيف الوظائف ، وفي معايير التوظيف . وتمت التوصية بتيسير إجراءات التوظيف ، وجعل سلم الرواتب يخدم الحصول على الكفاءات في الأجهزة العامة ، وتعزيز مبدأ الجدارة في اختيار الموظفين ، إلى جانب إتباع مبدأ اللامركزية في التوظيف وتصنيف الوظائف .
- هناك تداخل وازدواج في الأنشطة ، وهناك أنشطة في الأجهزة لا رابط ولا تنسيق بينها ، وهناك عدم وضوح في الأهداف التي يُراد تحقيقها . وتمت التوصية بإعادة التنظيم على مبدأ جمع الخدمات والنشاطات المتماثلة وإزالة الازدواج ، وتقليص عدد الأجهزة التنفيذية بما يزيل تضخم تلك الأجهزة ، مع التركيز على توافر الفاعلية في أدائها والتنسيق في نشاطاتها والخدمات التي تقدمها .
2- التجربة الأمريكية في ميدان مراجعة أداء الأجهزة التنفيذية
هدفت هذه التجربة إلى بناء جهاز حكومي قادر على تقديم خدمات عامة متميزة بتكلفة أقل . وتبنت الدراسة مدخل الإصلاح الشامل للأجهزة التنفيذية ، والتركيز على أساليب الأداء والعمليات الإدارية والمعوقات التي تصاحبها . كما ركزت الدراسة على إعادة تشكيل ثقافة المنظمات التنفيذية بما يخدم المستفيدين في المقام الأول .
كما اتبعت الدراسة منهجية قامت على مرحلتين ، ففي المرحلة الأولى تم تشكيل فريق عمل لمشروع الإصلاح مكون من (250) عضواً من ذوي الخبرة والتأهيل من الأجهزة العامة . وتفرعت عن الفريق الرئيسي مجموعة فرق للدراسة . وأسند لمجموعة من الفرق دراسة الأنظمة والإجراءات والقضايا العامة التي تسير العمل في جميع الأجهزة التنفيذية مثل : أنظمة الميزانية ، المشتريات ، الموظفين ، إجراءات خدمات المستفيدين من تلك الأجهزة . كما أسند لمجموعة أخرى من الفرق دراسة أجهزة معينة كجهاز التعليم وجهاز القوى العاملة . كما جرت مطالبة كل رئيس جهاز بتشكيل فرق داخلية للعمل على تحقيق ما هو مطلوب من التغيير والتطوير داخل الجهاز . وتم كذلك إيجاد مراكز متخصصة في كل جهاز من الأجهزة بغرض البحث عن الأفكار الجديدة وتجريبها من أجل تلمس تحسين الأداء فيه .
وفي هذه المرحلة تم تشكيل فريق من عدد كبير من الموظفين ، مهمته تشجيع الأجهزة التنفيذية على تطبيق التوصيات التي أسفرت عنها الدراسات ، ومتابعة التنفيذ في الميادين التي استهدفتها الدراسة وهي :
- التخلص من الروتين في مضمار تسهيل الإجراءات في إعداد الميزانية وصرف النفقات وترحيل الوفورات إلى أعوام لاحقة .
- تبني اللامركزية في سياسة التوظيف ، والتقييم وتحفيز العاملين ، والتعامل مع الأداء غير الجيد ومع الموظفين غير الجادين .
- تيسير إجراءات المشتريات ، وتبني اللامركزية في أعمال الشراء ، وتمكين الأجهزة العامة من تأمين المشتريات التي تلزمها .
- إعادة تحديد دور الأجهزة الرقابية المركزية في الرقابة المالية بحيث تركز على تقييم تحقيق الأهداف والمساعدة في تطوير أنظمة الرقابة في الأجهزة التنفيذية . والتأكد من أن فروع الأجهزة المركزية لديها من الصلاحيات ما يمكنها من تحقيق الأهداف المناطة بها .
- تمكين الموظفين من الأداء المتميز عن طريق محاسبتهم على النتائج وإشراكهم في صنع القرارات وإكسابهم المهارات ، وتوفير بيئة العمل الملائمة لهم .
- التأكد من أن الاهتمام ينصرف إلى خدمة المستفيدين وتحقيق تطلعاتهم . ثم العمل على ترشيد الإنفاق وتعزيز جوانب الإيرادات والاستثمار في الجوانب الإنتاجية .
وفي المرحلة الثانية من مراجعة أداء الأجهزة التنفيذية ركزت الدراسة على التعرف على ما قامت به الأجهزة من جهود لتطبيق التوصيات التي تمخضت عنها المرحلة الأولى وذلك عن طريق وضع التوصيات التنفيذية ، ومن ثم عرضها على لجنة مراجعة أداء الأجهزة العامة الفيدرالية وجهاز الإدارة والميزانية لمراجعتها قبل رفعها للأعلى لاعتمادها . وقد اتصف مشروع مراجعة أداء الأجهزة التنفيذية بالتركيز على تحسين الأداء . واعتمد في التوصيات على إدخال الأساليب الإدارية الحديثة المطبقة في أجهزة القطاع الخاص إلى أجهزة الدولة . وكذلك تيسير الإجراءات ، وتقديم خدمات متميزة للمستفيدين . ونتج أيضاً عن المشروع توفير مبالغ تقدر بأكثر من (37) بليون دولار خلال السنوات السبع الماضية منذ عام 1993م . ويعزى السبب في هذا الوفر إلى التقليص في الإنفاق وعدد الموظفين .
ثانياً : تجربة كندا ونيوزيلندا وأستراليا وبريطانيا
في عام 1990م تبنت كل من كندا ونيوزيلندا وأستراليا وبريطانيا إصلاحاً إدارياً ركز على مفهوم الإدارة لتحقيق النتائج . وكان هدف مشروع الإصلاح زيادة الكفاءة والفاعلية في الأداء والإنتاجية في الأجهزة العامة ، وكذلك تعزيز مبدأ المساءلة أو المحاسبة الإدارية . وكان مدخل المشروع هو الإصلاح الشامل بحيث يتم إعطاء صلاحيات واسعة لرؤساء الأجهزة التنفيذية كتلك التي تعطى لرؤساء الأجهزة في القطاع الخاص ، وأن تتم محاسبتهم على النتائج . لذلك تم مطالبة كل جهاز بثلاثة أمور :
- إعداد خطط إستراتيجية لتوضيح رسالة وأهداف كل جهاز لموظفي الجهاز والمستفيدين منه .
- وضع خطط تشغيلية لترجمة الخطط الإستراتيجية إلى أهداف تفصيلية مرتبطة برسالة وأهداف الجهاز .
- استخدام مقاييس الأداء للتحقق من تقدم الجهاز نحو تحقيق الأهداف " .
أبرز نتائج هذه التجربة في الإصلاح الإداري ما يلي :
– ظهرت أهمية تعزيز قياس الأداء لتحسين الإنتاجية ، لذلك تبنت الدول سياسة المحاسبة على أساس النتائج المتحققة من تلك المتفق عليها في اتفاقية الأداء . واتفاقية الأداء يتم بمقتضاها تحديد النتائج التي ترغب الدولة تحقيقها من كل جهاز . وفي ضوء ما يتحقق من نتائج تتم المساءلة الإدارية . على أنه يترك لرئيس كل جهاز رسم الاستراتيجيات التي سيتبعها في تحقيق النتائج المطلوبة منه .
– ترتب على أسلوب المحاسبة والمساءلة طبقاً للنتائج ضرورة التخلص من الرقابة المركزية التفصيلية على النفقات التشغيلية ، والتخلص من وجود سقف للموظفين في الجهاز ، ومنح المسئولين صلاحيات كافية لاستثمار مواردهم في الميزانية بشرط ألا يتم تجاوز سقف الميزانية المحدد للجهاز .
– تبين أن تغيير ثقافة الجهاز للتركيز على تحقيق النتائج ليس بالأمر الهين ويحتاج وقتاً ليس بالقصير كما أنه يتطلب تعزيز قدرة رؤساء الأجهزة في أداء مهام الجهاز وواجباته . كما تبين ضرورة بناء نظام معلوماتي ، وتوفير تدريب لجميع فئات العاملين ، واستخدام تقارير عن المعلومات ، وقياس الأداء ، وتطبيق جوانب إصلاحية أخرى .
– تبين أن التوجه نحو التركيز على النتائج يتطلب وجود جهة مركزية تعطى التوجيهات للأجهزة التنفيذية لكي تساعدها على التطبيق ، وعلى تقييم جوانب التطبيق لتحديد الصعوبات التي تواجه التطبيق والمنافع الناجمة عن الإصلاح من وجهة نظر مسئولي الأجهزة التنفيذية التي تطبق الإصلاح الإداري .
– نتج عن الإصلاح في هذه الدول منح المديرين التنفيذيين مرونة كافية في استغلال الموارد المتاحة لهم في الميزانية لتحقيق النتائج . وقامت الدول بتسهيل إجراءات شئون الموظفين ، وتحويل كثير من الصلاحيات ذات العلاقة بالتوظيف من الإدارات المركزية للتوظيف إلى الإدارات التنفيذية مثل : إجراءات الترقية ، تصنيف الوظائف ، وتحديد الرواتب . كما تم مطالبة هذه الأجهزة بإتباع الأساليب الحديثة في الإدارة لتعزيز جودة الإنتاجية . وانعكست هذه المرونة بشكل إيجابي على إيجاد حوافز لدى الجهاز لترشيد الإنفاق والاستغلال الأمثل للمصادر المتاحة له .
– اتضح أن الاستثمار في نظم المعلومات المختصة بجمع المعلومات وتحليلها ورفع تقارير توضح مستويات الأداء الحالية مقارنة بالمتوقع هو في غاية الأهمية . وخلصت التجارب إلى أهمية تدريب الموظفين للقيام بقياس الأداء وتحليل وتفسير المعلومات ذات العلاقة به . كما خلصت التجارب إلى أن استثمار المرونة في الجوانب المالية والإدارية يعد سبباً رئيسياً لنجاح هذا النوع من الإصلاح . ونتيجة لذلك تقرر أن تصبح مهمة الأجهزة الإشرافية المركزية هي القيام بتقديم العون والمساعدة في تطبيق الإصلاح وتدريب مسئولي الأجهزة على عمليات التخطيط الاستراتيجي والتشغيلي وقياس الأداء والمرونة في تنفيذ الميزانية . وأن تقوم هذه الأجهزة بتقييم التقدم في تحقيق أهداف الإصلاح في الأجهزة التنفيذية .
– أظهرت التجربة في هذه الدول أهمية التعامل الجيد مع مقاييس الأداء بغرض التأكد من أنها : تنطلق من أهداف البرنامج ، تعكس قدرة المسئولين في التأثير المباشر على النتائج المستهدفة وأثرها على المستفيد تعطي دوراً لمديري البرامج والمسئولين عن تحقيق النتائج في تصميم مقاييس الأداء لبرامجهم ، تشمل النوعية والكمية والكفاءة والفاعلية ، وتتيح جمع المعلومات حول مدى تحقيق الجهاز للأهداف العامة والتفصيلية على السواء .
– قامت هذه الدول باستخدام مقاييس الأداء من أجل المساءلة من خلال : نشر نتائج قياس جودة الخدمات للمستفيدين كما فعلت بريطانيا وكندا . أن يتم الاتفاق على مستوى الأداء بين الإدارة العليا والإدارات التنفيذية وتؤخذ النتائج أساساً للمساءلة والمحاسبة الإدارية . ثم قيام أجهزة التنفيذ برفع تقارير بنتائج أدائها للأجهزة الرقابية .
ثالثاً : ملامح واتجاهات تجربة الإصلاح الإداري في الصين
أن برنامج الإصلاح الإداري في الصين قد ركز على جملة من الموضوعات الرئيسية كما أشار إلى ذلك ومن أهمها :
- إصلاح النظام الإداري الحكومي بدأً من القمة باتجاه قاعدة الهرم الإداري حيث تم تحديد حصص للوظائف القيادية مع توصيفها من حيث المعارف والمهارات والسن .
- العمل على تخفيض العدد الإجمالي للوزارات والأجهزة الإدارية العليا والاستغناء عن حوالي 40% من إجمالي الموظفين العموميين .
- تشكيل هياكل إدارية رشيدة تتمتع بالمرونة والكفاءة وتبتعد عن التعقيدات البيروقراطية وزيادة حيوية الجهاز الإداري العام وخلق علاقة متناغمة بين الجهاز الإداري والمشروعات والمؤسسات والتنظيمات الاجتماعية من جهة وإعادة تعريف العلاقة بين أجهزة الحكومة المركزية والمحليات من جهة ثانية .
- التوافق مع متطلبات نظام اقتصاد السوق الاشتراكي .
- الفصل بين وظائف الأجهزة الحكومية ووظائف المشروعات الاقتصادية للوصول إلى بيئة داعمة خاصة .
- إجراء تحولات واسعة في وظائف الحكومة بحيث تكتفي بالتخطيط التأشيري وعلى أن تترك لإدارات المشروعات العامة والأجهزة المحلية مسؤولية التخطيط والتنفيذ والمتابعة شريطة أن تهتم الإدارات الحكومية المركزية بنتائج الأداء العامة وبمواضيع الرقابة عن بعد والمساءلة الإدارية وتنفيذ السياسات وتوفير الخدمات وغير ذلك .
رابعاً : التجربة اليابانية في الإصلاح الإداري
إن أهم ملامح وتوجهات الإصلاح الإداري في اليابان تمثلت بإحداث أجهزة حكومية مسؤولة عن عملية الإصلاح مع تشكيل مجموعة من اللجان الفرعية التي تضم خبراء وأكاديميين ورجال إدارة من الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص لمناقشة وإقرار كفاءة القضايا المرتبطة بالإصلاح الإداري . ومن الخطوط الإرشادية الأساسية للإصلاح الإداري في اليابان يمكن التوقف عند المسائل التالية :
- ملائمة برامج الإصلاح للمتغيرات في البيئة الداخلية والخارجية .
- شمولية وتكامل الإصلاح .
- تحقيق المزيد من الكفاءة والتبسيط في الإجراءات الإدارية .
- تأكيد ثقة الشعب بالإصلاح وتنفيذ فكرة الحكومة المقترحة (نظام الإفصاح عن المعلومات الحكومية )
- تقديم خدمات ذات جودة عالية للجمهور .
- خلق إدارة عامة تتسم بالبساطة وتستجيب لمتطلبات العصر .
- الوصول إلى إدارة تسمح للأفراد بأن يتصرفوا بناءً على مبادراتهم الذاتية .
أما عن الأسباب التي أدت إلى نجاح برنامج الإصلاح الإداري في اليابان فيمكن تقديم ما يلي :
- وجود هيكلية لأجهزة الإصلاح الإداري تراجع بصورة سنوية برامج الحكومة في هذا المجال وتقومها .
- التزام القيادة السياسية بنهج الإصلاح وتوفير القيادة القوية القادرة على فهم محاور الإصلاح وتعبئة الموارد المادية والبشرية لتنفيذ هذه البرامج .
- اشتراك مدراء النسق الأول وجماعات المصالح في برامج الإصلاح مما أدى إلى ضمان تأييد الجمهور لها .
- الدور الفاعل والإيجابي للسلطات التشريعية بالنسبة لتحديث الأنظمة والقوانين والتشريعات الخاصة بمسألة الإصلاح الإداري .
خامساً : التجربة المصرية في الإصلاح الإداري
لعل دراسة التجربة المصرية في الإصلاح ستكون مفيدة جداً على اعتبار تشابه الظروف والأوضاع الاقتصادية التي كانت سائدة منذ سنوات قريبة مع الظروف السورية من حيث بنية نظام الإدارة الحكومية والسيطرة النسبية للقطاع العام ومعدلات النمو الاقتصادي المحدودة وعدم كفاءة الأجهزة وتضخم أعداد العاملين فيها وغياب الشفافية والمساءلة وتفشى البيروقراطية والروتين والمركزية الإدارية المفرطة وغير ذلك .
من الدروس المستفادة من تجربة الإصلاح الإداري في مصر يمكن الإشارة إلى أهم النقاط التالية :
- ضرورة التكامل والتنسيق بين الأجهزة المعنية بالإصلاح الإداري ومؤازرة السلطات العليا لهذه البرامج وضمان استمراريتها ، تعزيز ثقافة الإصلاح واعتبار توفر الإمكانات المادية والبشرية أهم أركان عملية الإصلاح .
- الرؤية المستقبلية لتحسين الأداء الإداري المصري والتي يجب أن تراعي : المتغيرات الاقتصادية والسياسية الدولية ، التركيز على التنمية التكنولوجية وجودة أداء الخدمات العامة ، استكمال البنية الأساسية المعلوماتية ، صياغة أنماط إدارية معاصرة (إعادة هندسة العمليات ، الجودة الشاملة ، المنافسة ) مواجهة الممارسات البيروقراطية ورفع المستوى أداء الأجهزة الحكومية .
- محاور خطة الإصلاح المستقبلية التي اشتملت على القوى العاملة ، تحسين الخدمات ، إقامة قواعد متطورة للمعلومات ، التطوير التشريعي ، هياكل الأجور ، تعميق اللامركزية وحماية العاملين .
أما برنامج الإصلاح الإداري في مصر للأعوام 1997 – 2001 فقد تضمن إضافات جديدة من خلال المحاور الرئيسية التالية التي اشتمل عليها وهي :
- ترشيد حجم الجهاز الإداري للدولة وتطوير سياسات شغل الوظائف العامة وذلك من خلال تبني أسلوب التمويل الذاتي للوظائف الجديدة ، سد منافذ التعيين غير المبررة ، إعادة تنظيم استخدام العمالة الزائدة والمؤقتة وإعادة استخدام الخبراء الوطنين بالجهاز الإداري للدولة .
- تدعيم قدرة الجهاز الإداري للدولة على استيعاب عمالة جديدة وتشغيل الشباب والمساهمة في حل مشكلة البطالة .
- تحقيق أقصى درجات الشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص في شغل الوظائف العامة .
- إنصاف الموظفين وفتح الترقيات أمامهم وحل مشكلاتهم الوظيفية .
- نشر الوعي القانوني بقواعد الخدمة المدنية وأحكام الوظيفة العامة لتحقيق العدالة ووحدة المعاملة بين جميع موظفي الدولة .
- محاصرة البيروقراطية والتعقيدات المكتبية عبر الاستفادة من خدمات التلفون والفاكس والإنترنت ومركز الخدمات .
- التدريب الإداري وتنمية مهارات العنصر البشري بالنسبة للعاملين والإدارات العليا والوسطى والتنفيذية .
- تطوير نظم إعداد واختيار القيادات الإدارية العليا .
- توظيف تكنولوجيا المعلومات في خدمة ترشيد قرارات الإدارة عن طريق توفير قواعد بيانات للوحدات الإدارية والهياكل التنظيمية والوظائف والموظفين وقيادات الدولة والخبراء الوطنيين وغير ذلك .
كما وان هناك العديد من المشروعات التي يتم إعدادها في وزارة الدولة للتنمية الإدارية لتساهم من جديد في حركة الإصلاح الإداري في مصر .
سادساً : التجربة التونسية في الإصلاح الإداري
لعل النظام الإداري العام الذي كان سائداً في تونس في فترة ما قبل 1987 كان شبيهاً بأنظمة الإدارة العامة في العديد من الدول العربية ومنها سورية ومصر ، حيث اتصف النظام الإداري التونسي بتعدد الأجهزة وتشابهها وازدواجيتها ، التوسع الأفقي في الجهاز الإداري وتضخم عدد العاملين فيه ، تراجع مستويات الخدمات التي تقدمها الإدارات العامة للمواطنين، وغير ذلك . لكن بعد عام 1987 فقد جهدت الدولة من خلال الاهتمام المباشر لرئيس الدولة في تونس بالعمل على تشخيص الوضع الراهن لمستوى أداء الأجهزة العمومية ، التحري عن أسباب تردي العلاقة بين الإدارات الحكومية والمواطنين ، ومن ثم العمل على تحسين كفاءة أجهزة الإدارة العامة بشكل عام . إن هذا الواقع غير المشجع في أجهزة الإدارة العامة التونسية دفع بالسلطات السياسية والتنفيذية لاعتماد برنامجاً طموحاً للإصلاح الإداري في البلد والذي تضمن في محتواه المحاور الرئيسية التالية :
- علاقة الإدارة بالمواطنين : لقد تم الاهتمام بهذا المحور نظراً لتراكم الإجراءات والتشريعات دون تطويرها ، عدم تحديد المدد الزمنية اللازمة لتقديم الخدمات العامة بالشفافية المطلوبة ، تعدد التراخيص الإدارية وغير ذلك . أن هذا الواقع أكد على ضرورة اهتمام برنامج الإصلاح الإداري بالمسائل المرتبطة باستقبال المواطنين وإرشادهم وتقديم العون لهم عند مراجعتهم لأجهزة الإدارة العامة وتسهيل الاتصال معها وتحسين جودة الخدمات المقدمة وتبسيط الإجراءات الإدارية ورفض النزاعات التي تظهر بين المواطنين والمؤسسات الخاصة من جهة وأجهزة الإدارة العامة من جهة ثانية .
- التنظيم الإداري : ومن أهم القضايا التي طرحت للمعالجة في هذا الشأن : وجود دليل لإجراءات ومسالك العمل الإداري لضبط مهام الموظفين العموميين والعمل على توحيد هذه الإجراءات وضبط المسؤوليات ، التحول إلى اللامركزية بعد أن كان مبالغاً في استخدام المركزية الإدارية رغم تفويض السلطات ، إعادة النظر بالهياكل التنظيمية ، تقليص وتوحيد أجهزة الرقابة الإدارية ، توفير المجالس الاستشارية واللجان الإدارية ، الاهتمام بالتوثيق والأرشفة وبالمطبوعات وطرق الاتصال مع المجتمع والإدارات الأخرى ، إيلاء العناية الكافية لأنظمة تقييم وضبط حجم العمل في الإدارات العمومية وتكاليف تقديم الخدمات من خلاله .
- وسائل العمل الإداري : من حيث الاهتمام بالجوانب الإعلامية وتوفير الأدلة الإدارية وتنظيم العقود الإدارية وضبط السياسات الحكومية .
- العنصر البشري : تم التركيز في هذا المحور على الجوانب الخاصة بالتعليم والتدريب والندب ، الترقية والتحفيز ، هيكل الرواتب والأجور ، التغطية الاجتماعية ( الضمان الاجتماعي) .
ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن جميع محاور الإصلاح الإداري في تونس قد أعد لها برامج تنفيذية خاصة بها .
المتتبع لخطوات تنفيذ برنامج الإصلاح الإداري في تونس يستطيع أن يتحقق من الارتقاء بمستوى كفاءة أجهزة الإدارة الحكومية مما جعل تونس في مقدمة العديد من الدول النامية بشكل عام والعربية بشكل خاص في معدلات النمو الاقتصادي وتحسن مستوى الخدمات العامة المقدمة للمجتمع وظهور المبادرات الفردية والمؤسساتية الهادفة إلى تحسين الأداء والتشغيل الأمثل لقوى الإنتاج ، كما وبدأت تتعزز ثقة المواطنين بأجهزة الإدارة العامة ، وتتعمق وتتسع وتنتشر ثقافة الإصلاح على مستوى المجتمع .
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن عملية الإصلاح في تونس مستمرة ومتطورة وتدخل في برامجها عناصر جديدة هادفة إلى تحقيق تطلعات الأفراد والمنظمات في الحصول على خدمات إدارية سريعة وجيدة وبسيطة وبتكلفة منخفضة .
وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة والإمكانات البشرية والمادية المصروفة على عمليات الإصلاح الإداري والهياكل المستحدثة في غالبية الدول العربية فإن العديد من المحللين يشيرون إلى المزيد من التعثر في أداء الأجهزة الحكومية وإلى ضعف كبير في مستوى الكفاءة الإدارية ، لقد لاحظ المختصين في الإدارة والمتابعين لحركات الإصلاح الإداري العربي خلو جهود وبرامج الإصلاح الإداري من التوجه الاستراتيجي الشامل المتكامل على مستوى عناصر الأنظمة والممارسات الإدارية ونموذج الإصلاح الإداري المستخدم على مستوى المجتمع الكلي وفسروا ذلك حسب رؤيتهم للأسباب التالية :
- قصور وعدم تكامل عناصر إستراتيجية الإصلاح والتي تعود إلى :
- تركيز جهود الإصلاح الإداري على بناء الهياكل والأنظمة الرسمية وعلى تنمية المعارف من خلال التدريب مما زاد من اللوائح واللجان فدارت عملية الإصلاح في حلقة مفرغة ذات طابع بيروقراطي يتوقف حلها على خلق كيانات تنظيمية جديدة لعلاج القصور في الأداء أو تطوير اللوائح بإضافة المزيد إلى بنودها - الاعتماد على منهج غير ديمقراطي في الإصلاح والتطوير بمعزل عن الإطراف المعنية بالتطوير وأداء الأجهزة الحكومية من داخلها أو من خارجها ، حيث تحولت برامج الإصلاح إلى طقوس دعائية ذات مضامين صورية دون وجود رقابة خارجية مما يحول أهداف الممارسات الإدارية الإصلاحية إلى الحفاظ على مصالح منظمات الإصلاح والعاملين فيها .
- التركيز على تقنيات الإدارة العلمية على حساب الجوانب السلوكية والثقافية والسياسية والبيئية ونقل تجارب عالمية بكاملها بحجة حيادية لإدارة كما هو الحال في الخليج ومصر والمغرب العربي .
- قصور الإستراتيجية المجتمعية للتنمية السياسية وبطء التطور الديمقراطي أمام تراجع أدوار المجالس التشريعية والشعبية والرأي العام والأحزاب السياسية في الرقابة على دور وممارسات الجهاز الحكومي وبرامج الإصلاح الإداري .
- آثار زيادة قوة الجهاز الحكومي في ظل قصور الإصلاح السياسي الديمقراطي وتحصنه ضد المساءلة والرقابة مما قاد إلى ظهور الفساد الإداري المتمثل بسوء الخدمات المقدمة للمواطنين وارتفاع تكاليفها وندرة الموارد التي يوفرها الجهاز الحكومي للمجتمع ، وتراجع دخول المواطنين في الأجهزة العامة وغيرها .
تأسيساً على ما تقدم فإن أساسيات برامج الإصلاح في أية دولة والتي تتمثل بالآتي :
- توفير الرؤية الإستراتيجية وتحديد فلسفة وأهداف الاقتصاد الكلي .
- دور قمة الهرم الإداري( رئاسة الدولة ، مجلس الوزراء ، اللجان الوزارية ، الوزراء ، المستشارون ) وهنا يجب أن يتحدد الإطار الفكري وتحديد الاتجاه العام لخطوط وبرامج الإصلاح مع توفير مستلزمات نجاحها ، شريطة عدم الغرق في الإجراءات والتفصيلات .
- فرق تحليل السياسات ومجمعات الخبراء والتي تنحصر مهامها في تحليل وتشخيص المشكلات وتقديم بدائل الحلول لها .
- المجالس الاستشارية بحيث يتم إشراك القطاع الخاص مع الأجهزة الحكومية في صنع السياسات الإصلاحية .
- توفير وتطوير المعلومات لدعم القرار.
- تحسين آليات تنفيذ السياسات والتركيز على التخطيط وإصدار التشريعات اللازمة وتوزيع الاختصاصات بين الأجهزة الحكومية وتخصيص وتوزيع الموارد وغير ذلك .
- تحقيق الملائمة السياسية كالآثار الاجتماعية والسياسية لعملية الخصخصة .
اخيرا اتسائل لماذا يستطيع غيرنا تحقيق اصلاح ونحن لا نستطيع ؟؟؟؟؟؟
عبد الرحمن تيشوري
شهادة عليا بالادارة
يركز هذا الجزء من الدراسة على عرض موجز لبعض التجارب الدولية في الإصلاح الإداري التي تستهدف تطوير وتحسين الأداء والإنتاجية في أجهزة القطاع العام . ويشمل العرض تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في ميدان تنظيم الجهاز التنفيذي ، وميدان مراجعة أداء الأجهزة التنفيذية . كما يشمل العرض ( بإيجاز ) تجربة كندا ونيوزيلندا وأستراليا وبريطانيا وأيضاً الصين واليابان ومصر وتونس .
أولاً : تجربة الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية
تتكون هذه التجربة من شقين : الشق الأول يتعلق بتجربة تنظيم الجهاز التنفيذي ، والشق الثاني يتعلق بمراجعة أداء الأجهزة التنفيذية في الحكومة الفيدرالية الأمريكية كما سيتم إيضاحه .
1- التجربة الأمريكية في ميدان تنظيم الجهاز التنفيذي
انصب هذا الجهد على تنظيم الجهاز التنفيذي للحكومة الأمريكية الفيدرالية ، وتم بمعرفة ما سمي بـ " لجنة هوفر الأولى (1947-1949م) ". وكان هدف التنظيم دراسة طرق وأساليب الأداء في الأجهزة التنفيذية الفيدرالية ، بهدف الوصول إلى تحسين أدائها وترشيد أوجه مصروفاتها . وتبني هذا التوجه التنظيمي مدخل الإصلاح الشامل للأجهزة التنفيذية . كما تم التركيز في الدراسة على الجوانب الخمسة التالية :
- التوازن بين الصلاحيات والمسئوليات .
- أدوات الإدارة مثل : المالية ، الوظائف والموظفين ، الخدمات العامة ، نظام حفظ الوثائق والتقارير العامة .
- التداخل والازدواجية في الأجهزة العامة .
- اللامركزية في التنفيذ تحت مظلة إشراف مركزي .
- إعادة تنظيم الأجهزة التنفيذية .
واتبع في أسلوب الدراسة الاعتماد على فرق العمل المتخصصة والمتنوعة من جهات متفرقة ذات علاقة . وقامت الفرق المتخصصة بتقديم تقاريرها للجنة الرئيسية التي تقود هذه الفرق . وتم التوصل إلى (273) توصية شملت الجوانب الخمسة للدراسة التي سبق بيانها . ومن أهم النتائج والتوصيات التي أفرزتها الدراسة ما يلي :
- هناك عدم توازن بين مسئوليات الرؤساء في الأجهزة وبين الصلاحيات المعطاة لهم ، بما يحول دون تحقيق الأهداف المرسومة ، لذلك تمت التوصية بمنح صلاحيات كافية للمسئولين في الأجهزة التنفيذية في مجالات إعادة التنظيم ، وفي التعامل مع الموظفين ، والنواحي المالية .
- هناك قصور في أسلوب إعداد الميزانية ، والرقابة المحاسبية ، وإجراءات تحديد الاعتمادات المالية وإجراءات الإيرادات ، والتكاليف التشغيلية ، والإعانات في الميزانية .
وتمت التوصية بتبني ميزانية الأداء ، وتبسيط إجراءات مناقشة الاعتمادات المالية ، ووضع نظام متكامل وفاعل لإعداد ميزانيات الأجهزة التنفيذية ، بما يسهم في تخفيض تكاليف الرقابة على التنفيذ .
- هناك مركزية مخلة في التوظيف ، ونقص في حصول الأجهزة العامة على الكفاءات العالية اللازمة لها وهناك نقص في تصنيف الوظائف ، وفي معايير التوظيف . وتمت التوصية بتيسير إجراءات التوظيف ، وجعل سلم الرواتب يخدم الحصول على الكفاءات في الأجهزة العامة ، وتعزيز مبدأ الجدارة في اختيار الموظفين ، إلى جانب إتباع مبدأ اللامركزية في التوظيف وتصنيف الوظائف .
- هناك تداخل وازدواج في الأنشطة ، وهناك أنشطة في الأجهزة لا رابط ولا تنسيق بينها ، وهناك عدم وضوح في الأهداف التي يُراد تحقيقها . وتمت التوصية بإعادة التنظيم على مبدأ جمع الخدمات والنشاطات المتماثلة وإزالة الازدواج ، وتقليص عدد الأجهزة التنفيذية بما يزيل تضخم تلك الأجهزة ، مع التركيز على توافر الفاعلية في أدائها والتنسيق في نشاطاتها والخدمات التي تقدمها .
2- التجربة الأمريكية في ميدان مراجعة أداء الأجهزة التنفيذية
هدفت هذه التجربة إلى بناء جهاز حكومي قادر على تقديم خدمات عامة متميزة بتكلفة أقل . وتبنت الدراسة مدخل الإصلاح الشامل للأجهزة التنفيذية ، والتركيز على أساليب الأداء والعمليات الإدارية والمعوقات التي تصاحبها . كما ركزت الدراسة على إعادة تشكيل ثقافة المنظمات التنفيذية بما يخدم المستفيدين في المقام الأول .
كما اتبعت الدراسة منهجية قامت على مرحلتين ، ففي المرحلة الأولى تم تشكيل فريق عمل لمشروع الإصلاح مكون من (250) عضواً من ذوي الخبرة والتأهيل من الأجهزة العامة . وتفرعت عن الفريق الرئيسي مجموعة فرق للدراسة . وأسند لمجموعة من الفرق دراسة الأنظمة والإجراءات والقضايا العامة التي تسير العمل في جميع الأجهزة التنفيذية مثل : أنظمة الميزانية ، المشتريات ، الموظفين ، إجراءات خدمات المستفيدين من تلك الأجهزة . كما أسند لمجموعة أخرى من الفرق دراسة أجهزة معينة كجهاز التعليم وجهاز القوى العاملة . كما جرت مطالبة كل رئيس جهاز بتشكيل فرق داخلية للعمل على تحقيق ما هو مطلوب من التغيير والتطوير داخل الجهاز . وتم كذلك إيجاد مراكز متخصصة في كل جهاز من الأجهزة بغرض البحث عن الأفكار الجديدة وتجريبها من أجل تلمس تحسين الأداء فيه .
وفي هذه المرحلة تم تشكيل فريق من عدد كبير من الموظفين ، مهمته تشجيع الأجهزة التنفيذية على تطبيق التوصيات التي أسفرت عنها الدراسات ، ومتابعة التنفيذ في الميادين التي استهدفتها الدراسة وهي :
- التخلص من الروتين في مضمار تسهيل الإجراءات في إعداد الميزانية وصرف النفقات وترحيل الوفورات إلى أعوام لاحقة .
- تبني اللامركزية في سياسة التوظيف ، والتقييم وتحفيز العاملين ، والتعامل مع الأداء غير الجيد ومع الموظفين غير الجادين .
- تيسير إجراءات المشتريات ، وتبني اللامركزية في أعمال الشراء ، وتمكين الأجهزة العامة من تأمين المشتريات التي تلزمها .
- إعادة تحديد دور الأجهزة الرقابية المركزية في الرقابة المالية بحيث تركز على تقييم تحقيق الأهداف والمساعدة في تطوير أنظمة الرقابة في الأجهزة التنفيذية . والتأكد من أن فروع الأجهزة المركزية لديها من الصلاحيات ما يمكنها من تحقيق الأهداف المناطة بها .
- تمكين الموظفين من الأداء المتميز عن طريق محاسبتهم على النتائج وإشراكهم في صنع القرارات وإكسابهم المهارات ، وتوفير بيئة العمل الملائمة لهم .
- التأكد من أن الاهتمام ينصرف إلى خدمة المستفيدين وتحقيق تطلعاتهم . ثم العمل على ترشيد الإنفاق وتعزيز جوانب الإيرادات والاستثمار في الجوانب الإنتاجية .
وفي المرحلة الثانية من مراجعة أداء الأجهزة التنفيذية ركزت الدراسة على التعرف على ما قامت به الأجهزة من جهود لتطبيق التوصيات التي تمخضت عنها المرحلة الأولى وذلك عن طريق وضع التوصيات التنفيذية ، ومن ثم عرضها على لجنة مراجعة أداء الأجهزة العامة الفيدرالية وجهاز الإدارة والميزانية لمراجعتها قبل رفعها للأعلى لاعتمادها . وقد اتصف مشروع مراجعة أداء الأجهزة التنفيذية بالتركيز على تحسين الأداء . واعتمد في التوصيات على إدخال الأساليب الإدارية الحديثة المطبقة في أجهزة القطاع الخاص إلى أجهزة الدولة . وكذلك تيسير الإجراءات ، وتقديم خدمات متميزة للمستفيدين . ونتج أيضاً عن المشروع توفير مبالغ تقدر بأكثر من (37) بليون دولار خلال السنوات السبع الماضية منذ عام 1993م . ويعزى السبب في هذا الوفر إلى التقليص في الإنفاق وعدد الموظفين .
ثانياً : تجربة كندا ونيوزيلندا وأستراليا وبريطانيا
في عام 1990م تبنت كل من كندا ونيوزيلندا وأستراليا وبريطانيا إصلاحاً إدارياً ركز على مفهوم الإدارة لتحقيق النتائج . وكان هدف مشروع الإصلاح زيادة الكفاءة والفاعلية في الأداء والإنتاجية في الأجهزة العامة ، وكذلك تعزيز مبدأ المساءلة أو المحاسبة الإدارية . وكان مدخل المشروع هو الإصلاح الشامل بحيث يتم إعطاء صلاحيات واسعة لرؤساء الأجهزة التنفيذية كتلك التي تعطى لرؤساء الأجهزة في القطاع الخاص ، وأن تتم محاسبتهم على النتائج . لذلك تم مطالبة كل جهاز بثلاثة أمور :
- إعداد خطط إستراتيجية لتوضيح رسالة وأهداف كل جهاز لموظفي الجهاز والمستفيدين منه .
- وضع خطط تشغيلية لترجمة الخطط الإستراتيجية إلى أهداف تفصيلية مرتبطة برسالة وأهداف الجهاز .
- استخدام مقاييس الأداء للتحقق من تقدم الجهاز نحو تحقيق الأهداف " .
أبرز نتائج هذه التجربة في الإصلاح الإداري ما يلي :
– ظهرت أهمية تعزيز قياس الأداء لتحسين الإنتاجية ، لذلك تبنت الدول سياسة المحاسبة على أساس النتائج المتحققة من تلك المتفق عليها في اتفاقية الأداء . واتفاقية الأداء يتم بمقتضاها تحديد النتائج التي ترغب الدولة تحقيقها من كل جهاز . وفي ضوء ما يتحقق من نتائج تتم المساءلة الإدارية . على أنه يترك لرئيس كل جهاز رسم الاستراتيجيات التي سيتبعها في تحقيق النتائج المطلوبة منه .
– ترتب على أسلوب المحاسبة والمساءلة طبقاً للنتائج ضرورة التخلص من الرقابة المركزية التفصيلية على النفقات التشغيلية ، والتخلص من وجود سقف للموظفين في الجهاز ، ومنح المسئولين صلاحيات كافية لاستثمار مواردهم في الميزانية بشرط ألا يتم تجاوز سقف الميزانية المحدد للجهاز .
– تبين أن تغيير ثقافة الجهاز للتركيز على تحقيق النتائج ليس بالأمر الهين ويحتاج وقتاً ليس بالقصير كما أنه يتطلب تعزيز قدرة رؤساء الأجهزة في أداء مهام الجهاز وواجباته . كما تبين ضرورة بناء نظام معلوماتي ، وتوفير تدريب لجميع فئات العاملين ، واستخدام تقارير عن المعلومات ، وقياس الأداء ، وتطبيق جوانب إصلاحية أخرى .
– تبين أن التوجه نحو التركيز على النتائج يتطلب وجود جهة مركزية تعطى التوجيهات للأجهزة التنفيذية لكي تساعدها على التطبيق ، وعلى تقييم جوانب التطبيق لتحديد الصعوبات التي تواجه التطبيق والمنافع الناجمة عن الإصلاح من وجهة نظر مسئولي الأجهزة التنفيذية التي تطبق الإصلاح الإداري .
– نتج عن الإصلاح في هذه الدول منح المديرين التنفيذيين مرونة كافية في استغلال الموارد المتاحة لهم في الميزانية لتحقيق النتائج . وقامت الدول بتسهيل إجراءات شئون الموظفين ، وتحويل كثير من الصلاحيات ذات العلاقة بالتوظيف من الإدارات المركزية للتوظيف إلى الإدارات التنفيذية مثل : إجراءات الترقية ، تصنيف الوظائف ، وتحديد الرواتب . كما تم مطالبة هذه الأجهزة بإتباع الأساليب الحديثة في الإدارة لتعزيز جودة الإنتاجية . وانعكست هذه المرونة بشكل إيجابي على إيجاد حوافز لدى الجهاز لترشيد الإنفاق والاستغلال الأمثل للمصادر المتاحة له .
– اتضح أن الاستثمار في نظم المعلومات المختصة بجمع المعلومات وتحليلها ورفع تقارير توضح مستويات الأداء الحالية مقارنة بالمتوقع هو في غاية الأهمية . وخلصت التجارب إلى أهمية تدريب الموظفين للقيام بقياس الأداء وتحليل وتفسير المعلومات ذات العلاقة به . كما خلصت التجارب إلى أن استثمار المرونة في الجوانب المالية والإدارية يعد سبباً رئيسياً لنجاح هذا النوع من الإصلاح . ونتيجة لذلك تقرر أن تصبح مهمة الأجهزة الإشرافية المركزية هي القيام بتقديم العون والمساعدة في تطبيق الإصلاح وتدريب مسئولي الأجهزة على عمليات التخطيط الاستراتيجي والتشغيلي وقياس الأداء والمرونة في تنفيذ الميزانية . وأن تقوم هذه الأجهزة بتقييم التقدم في تحقيق أهداف الإصلاح في الأجهزة التنفيذية .
– أظهرت التجربة في هذه الدول أهمية التعامل الجيد مع مقاييس الأداء بغرض التأكد من أنها : تنطلق من أهداف البرنامج ، تعكس قدرة المسئولين في التأثير المباشر على النتائج المستهدفة وأثرها على المستفيد تعطي دوراً لمديري البرامج والمسئولين عن تحقيق النتائج في تصميم مقاييس الأداء لبرامجهم ، تشمل النوعية والكمية والكفاءة والفاعلية ، وتتيح جمع المعلومات حول مدى تحقيق الجهاز للأهداف العامة والتفصيلية على السواء .
– قامت هذه الدول باستخدام مقاييس الأداء من أجل المساءلة من خلال : نشر نتائج قياس جودة الخدمات للمستفيدين كما فعلت بريطانيا وكندا . أن يتم الاتفاق على مستوى الأداء بين الإدارة العليا والإدارات التنفيذية وتؤخذ النتائج أساساً للمساءلة والمحاسبة الإدارية . ثم قيام أجهزة التنفيذ برفع تقارير بنتائج أدائها للأجهزة الرقابية .
ثالثاً : ملامح واتجاهات تجربة الإصلاح الإداري في الصين
أن برنامج الإصلاح الإداري في الصين قد ركز على جملة من الموضوعات الرئيسية كما أشار إلى ذلك ومن أهمها :
- إصلاح النظام الإداري الحكومي بدأً من القمة باتجاه قاعدة الهرم الإداري حيث تم تحديد حصص للوظائف القيادية مع توصيفها من حيث المعارف والمهارات والسن .
- العمل على تخفيض العدد الإجمالي للوزارات والأجهزة الإدارية العليا والاستغناء عن حوالي 40% من إجمالي الموظفين العموميين .
- تشكيل هياكل إدارية رشيدة تتمتع بالمرونة والكفاءة وتبتعد عن التعقيدات البيروقراطية وزيادة حيوية الجهاز الإداري العام وخلق علاقة متناغمة بين الجهاز الإداري والمشروعات والمؤسسات والتنظيمات الاجتماعية من جهة وإعادة تعريف العلاقة بين أجهزة الحكومة المركزية والمحليات من جهة ثانية .
- التوافق مع متطلبات نظام اقتصاد السوق الاشتراكي .
- الفصل بين وظائف الأجهزة الحكومية ووظائف المشروعات الاقتصادية للوصول إلى بيئة داعمة خاصة .
- إجراء تحولات واسعة في وظائف الحكومة بحيث تكتفي بالتخطيط التأشيري وعلى أن تترك لإدارات المشروعات العامة والأجهزة المحلية مسؤولية التخطيط والتنفيذ والمتابعة شريطة أن تهتم الإدارات الحكومية المركزية بنتائج الأداء العامة وبمواضيع الرقابة عن بعد والمساءلة الإدارية وتنفيذ السياسات وتوفير الخدمات وغير ذلك .
رابعاً : التجربة اليابانية في الإصلاح الإداري
إن أهم ملامح وتوجهات الإصلاح الإداري في اليابان تمثلت بإحداث أجهزة حكومية مسؤولة عن عملية الإصلاح مع تشكيل مجموعة من اللجان الفرعية التي تضم خبراء وأكاديميين ورجال إدارة من الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص لمناقشة وإقرار كفاءة القضايا المرتبطة بالإصلاح الإداري . ومن الخطوط الإرشادية الأساسية للإصلاح الإداري في اليابان يمكن التوقف عند المسائل التالية :
- ملائمة برامج الإصلاح للمتغيرات في البيئة الداخلية والخارجية .
- شمولية وتكامل الإصلاح .
- تحقيق المزيد من الكفاءة والتبسيط في الإجراءات الإدارية .
- تأكيد ثقة الشعب بالإصلاح وتنفيذ فكرة الحكومة المقترحة (نظام الإفصاح عن المعلومات الحكومية )
- تقديم خدمات ذات جودة عالية للجمهور .
- خلق إدارة عامة تتسم بالبساطة وتستجيب لمتطلبات العصر .
- الوصول إلى إدارة تسمح للأفراد بأن يتصرفوا بناءً على مبادراتهم الذاتية .
أما عن الأسباب التي أدت إلى نجاح برنامج الإصلاح الإداري في اليابان فيمكن تقديم ما يلي :
- وجود هيكلية لأجهزة الإصلاح الإداري تراجع بصورة سنوية برامج الحكومة في هذا المجال وتقومها .
- التزام القيادة السياسية بنهج الإصلاح وتوفير القيادة القوية القادرة على فهم محاور الإصلاح وتعبئة الموارد المادية والبشرية لتنفيذ هذه البرامج .
- اشتراك مدراء النسق الأول وجماعات المصالح في برامج الإصلاح مما أدى إلى ضمان تأييد الجمهور لها .
- الدور الفاعل والإيجابي للسلطات التشريعية بالنسبة لتحديث الأنظمة والقوانين والتشريعات الخاصة بمسألة الإصلاح الإداري .
خامساً : التجربة المصرية في الإصلاح الإداري
لعل دراسة التجربة المصرية في الإصلاح ستكون مفيدة جداً على اعتبار تشابه الظروف والأوضاع الاقتصادية التي كانت سائدة منذ سنوات قريبة مع الظروف السورية من حيث بنية نظام الإدارة الحكومية والسيطرة النسبية للقطاع العام ومعدلات النمو الاقتصادي المحدودة وعدم كفاءة الأجهزة وتضخم أعداد العاملين فيها وغياب الشفافية والمساءلة وتفشى البيروقراطية والروتين والمركزية الإدارية المفرطة وغير ذلك .
من الدروس المستفادة من تجربة الإصلاح الإداري في مصر يمكن الإشارة إلى أهم النقاط التالية :
- ضرورة التكامل والتنسيق بين الأجهزة المعنية بالإصلاح الإداري ومؤازرة السلطات العليا لهذه البرامج وضمان استمراريتها ، تعزيز ثقافة الإصلاح واعتبار توفر الإمكانات المادية والبشرية أهم أركان عملية الإصلاح .
- الرؤية المستقبلية لتحسين الأداء الإداري المصري والتي يجب أن تراعي : المتغيرات الاقتصادية والسياسية الدولية ، التركيز على التنمية التكنولوجية وجودة أداء الخدمات العامة ، استكمال البنية الأساسية المعلوماتية ، صياغة أنماط إدارية معاصرة (إعادة هندسة العمليات ، الجودة الشاملة ، المنافسة ) مواجهة الممارسات البيروقراطية ورفع المستوى أداء الأجهزة الحكومية .
- محاور خطة الإصلاح المستقبلية التي اشتملت على القوى العاملة ، تحسين الخدمات ، إقامة قواعد متطورة للمعلومات ، التطوير التشريعي ، هياكل الأجور ، تعميق اللامركزية وحماية العاملين .
أما برنامج الإصلاح الإداري في مصر للأعوام 1997 – 2001 فقد تضمن إضافات جديدة من خلال المحاور الرئيسية التالية التي اشتمل عليها وهي :
- ترشيد حجم الجهاز الإداري للدولة وتطوير سياسات شغل الوظائف العامة وذلك من خلال تبني أسلوب التمويل الذاتي للوظائف الجديدة ، سد منافذ التعيين غير المبررة ، إعادة تنظيم استخدام العمالة الزائدة والمؤقتة وإعادة استخدام الخبراء الوطنين بالجهاز الإداري للدولة .
- تدعيم قدرة الجهاز الإداري للدولة على استيعاب عمالة جديدة وتشغيل الشباب والمساهمة في حل مشكلة البطالة .
- تحقيق أقصى درجات الشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص في شغل الوظائف العامة .
- إنصاف الموظفين وفتح الترقيات أمامهم وحل مشكلاتهم الوظيفية .
- نشر الوعي القانوني بقواعد الخدمة المدنية وأحكام الوظيفة العامة لتحقيق العدالة ووحدة المعاملة بين جميع موظفي الدولة .
- محاصرة البيروقراطية والتعقيدات المكتبية عبر الاستفادة من خدمات التلفون والفاكس والإنترنت ومركز الخدمات .
- التدريب الإداري وتنمية مهارات العنصر البشري بالنسبة للعاملين والإدارات العليا والوسطى والتنفيذية .
- تطوير نظم إعداد واختيار القيادات الإدارية العليا .
- توظيف تكنولوجيا المعلومات في خدمة ترشيد قرارات الإدارة عن طريق توفير قواعد بيانات للوحدات الإدارية والهياكل التنظيمية والوظائف والموظفين وقيادات الدولة والخبراء الوطنيين وغير ذلك .
كما وان هناك العديد من المشروعات التي يتم إعدادها في وزارة الدولة للتنمية الإدارية لتساهم من جديد في حركة الإصلاح الإداري في مصر .
سادساً : التجربة التونسية في الإصلاح الإداري
لعل النظام الإداري العام الذي كان سائداً في تونس في فترة ما قبل 1987 كان شبيهاً بأنظمة الإدارة العامة في العديد من الدول العربية ومنها سورية ومصر ، حيث اتصف النظام الإداري التونسي بتعدد الأجهزة وتشابهها وازدواجيتها ، التوسع الأفقي في الجهاز الإداري وتضخم عدد العاملين فيه ، تراجع مستويات الخدمات التي تقدمها الإدارات العامة للمواطنين، وغير ذلك . لكن بعد عام 1987 فقد جهدت الدولة من خلال الاهتمام المباشر لرئيس الدولة في تونس بالعمل على تشخيص الوضع الراهن لمستوى أداء الأجهزة العمومية ، التحري عن أسباب تردي العلاقة بين الإدارات الحكومية والمواطنين ، ومن ثم العمل على تحسين كفاءة أجهزة الإدارة العامة بشكل عام . إن هذا الواقع غير المشجع في أجهزة الإدارة العامة التونسية دفع بالسلطات السياسية والتنفيذية لاعتماد برنامجاً طموحاً للإصلاح الإداري في البلد والذي تضمن في محتواه المحاور الرئيسية التالية :
- علاقة الإدارة بالمواطنين : لقد تم الاهتمام بهذا المحور نظراً لتراكم الإجراءات والتشريعات دون تطويرها ، عدم تحديد المدد الزمنية اللازمة لتقديم الخدمات العامة بالشفافية المطلوبة ، تعدد التراخيص الإدارية وغير ذلك . أن هذا الواقع أكد على ضرورة اهتمام برنامج الإصلاح الإداري بالمسائل المرتبطة باستقبال المواطنين وإرشادهم وتقديم العون لهم عند مراجعتهم لأجهزة الإدارة العامة وتسهيل الاتصال معها وتحسين جودة الخدمات المقدمة وتبسيط الإجراءات الإدارية ورفض النزاعات التي تظهر بين المواطنين والمؤسسات الخاصة من جهة وأجهزة الإدارة العامة من جهة ثانية .
- التنظيم الإداري : ومن أهم القضايا التي طرحت للمعالجة في هذا الشأن : وجود دليل لإجراءات ومسالك العمل الإداري لضبط مهام الموظفين العموميين والعمل على توحيد هذه الإجراءات وضبط المسؤوليات ، التحول إلى اللامركزية بعد أن كان مبالغاً في استخدام المركزية الإدارية رغم تفويض السلطات ، إعادة النظر بالهياكل التنظيمية ، تقليص وتوحيد أجهزة الرقابة الإدارية ، توفير المجالس الاستشارية واللجان الإدارية ، الاهتمام بالتوثيق والأرشفة وبالمطبوعات وطرق الاتصال مع المجتمع والإدارات الأخرى ، إيلاء العناية الكافية لأنظمة تقييم وضبط حجم العمل في الإدارات العمومية وتكاليف تقديم الخدمات من خلاله .
- وسائل العمل الإداري : من حيث الاهتمام بالجوانب الإعلامية وتوفير الأدلة الإدارية وتنظيم العقود الإدارية وضبط السياسات الحكومية .
- العنصر البشري : تم التركيز في هذا المحور على الجوانب الخاصة بالتعليم والتدريب والندب ، الترقية والتحفيز ، هيكل الرواتب والأجور ، التغطية الاجتماعية ( الضمان الاجتماعي) .
ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن جميع محاور الإصلاح الإداري في تونس قد أعد لها برامج تنفيذية خاصة بها .
المتتبع لخطوات تنفيذ برنامج الإصلاح الإداري في تونس يستطيع أن يتحقق من الارتقاء بمستوى كفاءة أجهزة الإدارة الحكومية مما جعل تونس في مقدمة العديد من الدول النامية بشكل عام والعربية بشكل خاص في معدلات النمو الاقتصادي وتحسن مستوى الخدمات العامة المقدمة للمجتمع وظهور المبادرات الفردية والمؤسساتية الهادفة إلى تحسين الأداء والتشغيل الأمثل لقوى الإنتاج ، كما وبدأت تتعزز ثقة المواطنين بأجهزة الإدارة العامة ، وتتعمق وتتسع وتنتشر ثقافة الإصلاح على مستوى المجتمع .
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن عملية الإصلاح في تونس مستمرة ومتطورة وتدخل في برامجها عناصر جديدة هادفة إلى تحقيق تطلعات الأفراد والمنظمات في الحصول على خدمات إدارية سريعة وجيدة وبسيطة وبتكلفة منخفضة .
وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة والإمكانات البشرية والمادية المصروفة على عمليات الإصلاح الإداري والهياكل المستحدثة في غالبية الدول العربية فإن العديد من المحللين يشيرون إلى المزيد من التعثر في أداء الأجهزة الحكومية وإلى ضعف كبير في مستوى الكفاءة الإدارية ، لقد لاحظ المختصين في الإدارة والمتابعين لحركات الإصلاح الإداري العربي خلو جهود وبرامج الإصلاح الإداري من التوجه الاستراتيجي الشامل المتكامل على مستوى عناصر الأنظمة والممارسات الإدارية ونموذج الإصلاح الإداري المستخدم على مستوى المجتمع الكلي وفسروا ذلك حسب رؤيتهم للأسباب التالية :
- قصور وعدم تكامل عناصر إستراتيجية الإصلاح والتي تعود إلى :
- تركيز جهود الإصلاح الإداري على بناء الهياكل والأنظمة الرسمية وعلى تنمية المعارف من خلال التدريب مما زاد من اللوائح واللجان فدارت عملية الإصلاح في حلقة مفرغة ذات طابع بيروقراطي يتوقف حلها على خلق كيانات تنظيمية جديدة لعلاج القصور في الأداء أو تطوير اللوائح بإضافة المزيد إلى بنودها - الاعتماد على منهج غير ديمقراطي في الإصلاح والتطوير بمعزل عن الإطراف المعنية بالتطوير وأداء الأجهزة الحكومية من داخلها أو من خارجها ، حيث تحولت برامج الإصلاح إلى طقوس دعائية ذات مضامين صورية دون وجود رقابة خارجية مما يحول أهداف الممارسات الإدارية الإصلاحية إلى الحفاظ على مصالح منظمات الإصلاح والعاملين فيها .
- التركيز على تقنيات الإدارة العلمية على حساب الجوانب السلوكية والثقافية والسياسية والبيئية ونقل تجارب عالمية بكاملها بحجة حيادية لإدارة كما هو الحال في الخليج ومصر والمغرب العربي .
- قصور الإستراتيجية المجتمعية للتنمية السياسية وبطء التطور الديمقراطي أمام تراجع أدوار المجالس التشريعية والشعبية والرأي العام والأحزاب السياسية في الرقابة على دور وممارسات الجهاز الحكومي وبرامج الإصلاح الإداري .
- آثار زيادة قوة الجهاز الحكومي في ظل قصور الإصلاح السياسي الديمقراطي وتحصنه ضد المساءلة والرقابة مما قاد إلى ظهور الفساد الإداري المتمثل بسوء الخدمات المقدمة للمواطنين وارتفاع تكاليفها وندرة الموارد التي يوفرها الجهاز الحكومي للمجتمع ، وتراجع دخول المواطنين في الأجهزة العامة وغيرها .
تأسيساً على ما تقدم فإن أساسيات برامج الإصلاح في أية دولة والتي تتمثل بالآتي :
- توفير الرؤية الإستراتيجية وتحديد فلسفة وأهداف الاقتصاد الكلي .
- دور قمة الهرم الإداري( رئاسة الدولة ، مجلس الوزراء ، اللجان الوزارية ، الوزراء ، المستشارون ) وهنا يجب أن يتحدد الإطار الفكري وتحديد الاتجاه العام لخطوط وبرامج الإصلاح مع توفير مستلزمات نجاحها ، شريطة عدم الغرق في الإجراءات والتفصيلات .
- فرق تحليل السياسات ومجمعات الخبراء والتي تنحصر مهامها في تحليل وتشخيص المشكلات وتقديم بدائل الحلول لها .
- المجالس الاستشارية بحيث يتم إشراك القطاع الخاص مع الأجهزة الحكومية في صنع السياسات الإصلاحية .
- توفير وتطوير المعلومات لدعم القرار.
- تحسين آليات تنفيذ السياسات والتركيز على التخطيط وإصدار التشريعات اللازمة وتوزيع الاختصاصات بين الأجهزة الحكومية وتخصيص وتوزيع الموارد وغير ذلك .
- تحقيق الملائمة السياسية كالآثار الاجتماعية والسياسية لعملية الخصخصة .
اخيرا اتسائل لماذا يستطيع غيرنا تحقيق اصلاح ونحن لا نستطيع ؟؟؟؟؟؟