الرئيسية
في قصيدة من أروع القصائد الوجدانية التي كتبها شاعرنا الشعبي "هايل السلمان" عام 1982 وغنتها الإذاعات وتناقلتها الشعراء في معظم المحافظات السورية... وبها وصف هذا الشاعر الإنسان حنينه إلى الوطن والأرض والجبل والوادي والذكريات... وصف شوقه إلى بلده التي ولد وتربى، يطلب منها عبر أثير الكلمات أن تحتضن عائلته بعد اغترابه بالمحبة والوفاء والطمأنينة... كما احتضن هو ترابها المقدس، بل ويقول لها عبر صدى كلماته في القصيدة: ألا تحزن، ومهما طال اغترابه عنها سوف يعود ويقبل ترابها.
هي قصيدته الشعبية «يا ديرتي يا ديرتي» التي كتبها عندما قرر الاغتراب إلى دولة فنزويلا بقصد العمل ولقمة العيش، والقصيدة أسماها الشاعر الراحل "صلاح مزهر" وهو من نخبة شعراء السويداء بــ "اليتيمة".
تلك السمات أوضحها الحقوقي "محمود حامد" المتذوق للنغم والشعر الشعبي، بقوله: «يا ديرتي قصيدة وجدانية صادقة، تنطوي على صور جميلة ومؤثرة، تدعو في باطن معانيها إلى الوفاء، إلى قيم الإنسان النقي، الصادق، المحب... إلى التغني بسمات الوطن... بسمات بلدته "ملح" التي تربى وأحب
يا ديرتي يـا ديرتي وداعــاً يـــا حــبيبتي
إلـى اللـقا يـا زنبقة، لـولا الشـقا مــا بـطول عــنك غـيبتي
لــولا الشقا بـحوالي/ مـا بـفارقك يـا زيـــنة
يــا دار عنـا غالــي/ ويا طيف ساكن فــينا
وحيات ربي العالي/ فــراقك مـا هو بـدينا
لـولا الـوزي ودهري الــخزي، مـــا بــجتزي مــن بـــيئتي
مـا بـجتزيها بـنوبـة/ لكـن حـمولي مـالت
دنيـا الخون عطوبة/ يـاما رواسـي خانت
مــن آمــن مـغلوبـة/ وقــلال إلـهم راقــت
مـا لـها ذمــم، غـير الندم، كـثر الألـم، غـيّب دلـيل بــصيرتي
غاب الرشد من جـوره/ وكلّ الصبر ما فادي
كل مـا رجيت سـروره/ يظرم لضاها زيادي
كـيلي طـفح مـن زوره/ هـم وغــثا ونـكادي
لا تعتبي يـا مـهذبي، صبري سبي، مـاني نـبي، وش حـيلتي
وش حـيلتي بــقداري/ هالي انقسملي فيها
إظـحي قـفا الـبحاري/ وديـــارنـا نــخليها
مع عزوتي وجواري/ نار الــبعد تـكويها
دق الجرس، قلبي مرس، كوني حرس، يا ديرتي عصغيرتي
كـوني حرس ميداني/ كن لي كرامة عندك
فــــي قــبتك أمـــاني/ أطــفال يــرحم إمّك
يـــا حـنينة مــنشاني/ إلهــــم يــبين ســنك
بــلكي الأســى راح يـــنتسى، بــجاه المــسى يــم جــيرتي
بــلكي الأسـى بيـولـي/ ونرجى السعد يـا مـيمة
وكاسات حـبي انـملي/ ونمحي الأسى والظيما
يا نجوم سعدي اتجلي/ كــافي جـــفا واعـــتيما
هاتـي سعد، بلكي بعد، يـلفي الرعد، يروي ضواحي جنينتي
يروي جناين عزي/ وانــعود يــا ديــرتنا
لا تـفكري مــعتزي/ يــا ديـرتي بسـفرتنا
لـو ارتـديت الـقزّي/ مش من قلب بسمتنا
تـــراب الـــوطن، مــالو ثــمن، بــعده شــجن يــــا مــيمتي
تراب الوطن ما نساها/ مـهما بـعدت يا خيّا
عـشت الــعمر ويــاها/ وفـــضالــها علـــيّ
مـا طيب مـذيغ مـياها/ وما جمل هذيك الفيّا
مــهما الــدهر، طـال الهجر، لا بد شهر، إلفي معو يا ديرتي
لا بـد لك مـن عـودي/ بس انت لا تـنسينا
يا مربى كل جـدودي/ عنك مـاشي يــلهينا
إن سانحت الوعودي/ حـنا لك يـــا زيــنة
روحــي إلــك، قـــلبي مــعك، ضــدك هِـلك مـــن غــيرتــي
روحـــي مـــعا قــطابا/ يا ناس لا تلوموني
مــعبود عــندي تــرابا/ وجبـالها المزيوني
اندنى الأجل يا صحابا/ بترابـــها غـطوني
ديــرة وفــا، مــا بتنجفا، فـيها الصفا، يـا ناس مـع خـليلتي
وفي نهاية قصيدته، يصف الشاعرحسه الروحاني الوجداني بقصيدة الشعر، ويقول: «الشعر الأصيل... ضمير حي لا يموت وإن وافت المنية شاعره، وهذا ما أتمناه لقصائدي والرسالة الإنسانية الوجدانية التي أرمي إليها عبر فضاءات الحنين التي أكنها بين السطور، فأنا عندما أكتب أترك ليدي حرية الكلمة، وأسأل قلبي بلاغة الوصف؟، وعند إنهاء القصيدة أحتكم إلى ضميري في صدق الغاية وبعد الكلمة... حتى أشعر بالرضا والهدوء الداخلي، عندها أترك الحكم لسامعي وقارئي، وفي النهاية جميعنا إنسان على وجه هذا الكوكب، والجوهر الذي نبقى لأجله هو الصدق مع النفس ومع الآخر ومع الحياة ».
ويضيف: «قصيدة يا ديرتي يا ديرتي تعكس ذاك الجمال الصادق، والدفء المكنون في خبايا صدري نحو أسرتي وبلدي، وكل من شكلوا زهور ذاكرتي ووجداني».
ويقول "السلمان" حول نشأته: «ولدت عام 1954 في بلدة "ملح" التي تبعد مسافة 40 كيلو متراً نحو الجنوب الشرقي من "السويداء" في أسرة متواضعة، سماتها الخلق والمحبة والتواصل الاجتماعي، وهذا ينطبق على جميع من عايشتهم في بلدتي... فمعظمهم طيبون ويحتكمون في أمورهم وحياتهم إلى الحكمة والمبادئ الجميلة، شأنهم شأن كل البلدات المحيطة والمجاورة... والتاريخ شهد لهم خطواتهم في الثورة والنضال».
تنوعت قصائد الشاعر الشعبي "هايل السلمان" المكتوبة باللغة المحكية، وزادت عن الألف قصيدة... جزء منها مغنى وجزء آخر محفوظ لديه، وجزء نشر في أكثر من ديوان شعبي وأدبي لشعراء مختلفين، آخرهم ديوان للشاعر الراحل ـ الطبيب "سالم النمر" في مساحة تتجاوز 30 الصفحة
